نام کتاب : الاحكام نویسنده : ابن حزم جلد : 1 صفحه : 32
ولكنا لسنا نجعل ذلك محالا ممتنعا بل نقول : إنه ممكن بعيد جدا ، فإن قالوا : لعل ملكا كانت في مملكته لغات شتى فجمع لهم لغة يتفاهمون بها كلهم ، قلنا لهم : هذا ضد وضع اللغات الكثيرة ، بل هو جمع اللغات على لغة واحدة ، ثم نقول : وما الذي كان يدعو هذا الملك إلى هذه الكلفة الباردة الصعبة الثقيلة التي لا تفيد شيئا ؟ وكان أسهل له أن يجمعهم على لغة ما من تلك اللغات التي كانوا يتكلمون بها أو على لغته نفسه فكان أخف وأمكن من إحداث لغة مستأنفة ، وعلم ذلك عند الله عز وجل . وقد توهم قوم في لغتهم أنها أفضل اللغات . وهذا لا معنى له لان وجوه الفضل معروفة ، وإنما هي بعمل أو اختصاص ولا عمل للغة ، ولا جاء نص في تفضيل لغة على لغة ، وقد قال تعالى : * ( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم ) * وقال تعالى : * ( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) * . فأخبر تعالى أنه لم ينزل القرآن بلغة العرب إلا ليفهم ذلك قومه عليه السلام لا لغير ذلك ، وقد غلط في ذلك جالينوس فقال : إن لغة اليونانيين أفضل اللغات لان سائر اللغات إنما هي تشبه إما نباح الكلاب أو نقيق الضفادع . قال علي : وهذا جهل شديد لان كل سامع لغة ليست لغته ولا يفهمها ، فهي عنده في النصاب الذي ذكره جالينوس ولا فرق . وقد قال قوم : العربية أفضل اللغات لأنه بها كلام الله تعالى . قال علي : وهذا لا معنى له ، لان الله عز وجل قد أخبرنا أنه لم يرسل رسولا إلا بلسان قومه . وقال تعالى : * ( إني إذا لفي ضلال مبين ) * وقال تعالى : * ( وإنه لفي زبر الأولين ) * فبكل لغة قد نزل كلام الله تعالى ووحيه . وقد أنزل التوراة والإنجيل والزبور ، وكلم موسى عليه السلام بالعبرانية ، وأنزل الصحف على إبراهيم عليه السلام بالسريانية ، فتساوت اللغات في هذا تساويا واحدا . وأما لغة أهل الجنة وأهل النار فلا علم عندنا إلا ما جاء في النص والاجماع ، ولا نص ولا إجماع في ذلك ، إلا أنه لا بد لهم من لغة يتكلمون بها ولا يخلو ذلك من أحد ثلاثة أوجه ولا رابع لها : إما أن تكون لهم لغة واحدة من اللغات
نام کتاب : الاحكام نویسنده : ابن حزم جلد : 1 صفحه : 32