بالملاحن والمعاريض وتقول فيها : إن في المعاريض مندوحة عن الكذب . وتختلف الفقهاء في وجوبها لدى الاضطرار إلى الكذب ، نحو قولك : ما رأيت زيدا ولا كلَّمته . فإنك تفهم السامع عدم رؤيتك له ، وتكلَّمك معه ، وتضمر في نفسك أنّك ما ضربت ريته ، ولا جرحته على غموض معنى إضمار المعنى في النّفس كما ستعرف إن شاء اللَّه . وحيث إنّ الغرض في هذه التورية إغفال السامع عن المراد ، وإخفاء الواقع عليه لزم فيها اختلاف المعنيين ظهورا وخفاء ، وكون المراد هو الخفي منهما ، وامتنع ترشيحها بما يناسب المعنى البعيد لكونه نقضا للغرض ، بل قد يلزم ذكر ما يلائم القريب إذا اقتضى المقام التأكيد في تمويه الأمر على السامع ، وتبعيده عن الواقع ، وتسمّى حينئذ في الاصطلاح بالتورية المبيّنة ، وأين هذه من التورية البديعة البديعية التي يقصد الشاعر أو الناثر إفهام المعنيين معا لأنّ في ذلك كمال صنعته وإظهار قدرته ، ولهذا تراه إذا غفل السامع عن أحدهما يجتهد في إفهامه ، ويصرّح له بقصده ، ولا تتوقف - كأختها [1] - على اختلاف المعنيين في الظهور والخفاء ، بل إذا كانا متكافئين في لظهور كانت أبدع في الصنعة ، وأملح في الذوق ، ومع اختلافهما في ذلك فكثيرا ما يرشّح البعيد بما يقرّبه إلى المعنى الآخر احتيالا منه في جعلها في مرتبة واحدة أو في درجتين متقاربتين ، والقوم لعدم تنبّههم للفرق بين التوريتين وقع لهم الخبط في الخلط بين القسمين ، فذكروا تعريف التورية العرفيّة وأحكامها وأقسامها للتورية البديعيّة ، ثم تكلَّفوا في بعض الشواهد التي يتقارب فيها المعنيان للَّفظ بجعل أحدهما بعيدا والآخر قريبا ، وكثيرا ما يعجزون حتى عن التكلَّف ، فيرون السكوت عن ذلك هو الأجدر بهم والأصلح لهم .