كالاستيذان في العورات الثلاث [1] ، على ما ذهب غير واحد إلى وجوبه عليه ، وكالواجبات العقلية ومحرّماتها من المعرفة وقتل النّفس وغيرهما ، ولا شك أنه مع الشك في شيء من ذلك لا بدّ له من إجراء أحد الأصول العمليّة ، أو متابعة القطع أو الظن المعتبر إذا حصل أحدهما له من غير فرق بينه وبين البالغ أصلا ، فالأولى أن يكون المقسم من كان معرضا للتكليف . ثم المراد من المكلَّف ليس خصوص المجتهد كما توهّم [2] ، نظرا إلى توقف كثير من الأحكام الآتية على معرفة الأدلَّة التي لاحظَّ للمقلَّد منها ، وعلى الفحص الَّذي تقصر يده عنه . ويدفعه : أنّ حجية الخبر - مثلا - لا معنى لها إلاّ إتيان ما دلّ على وجوبه أو ترك ما دلّ على حرمته ، وكذلك الاستصحاب ، لا معنى لحجيّته إلاّ الجري على طبق الحالة السابقة ، ويتمكن منهما المقلَّد تمكّن المجتهد ، ولا فرق إلاّ عدم تمكّن المقلَّد من الاستظهار منه بنفسه ، وعدم قدرته على مباشرة الفحص عن الدليل الرافع للشك ، فيقوم استظهار المجتهد مقام استظهاره ، وفحصه مقام فحصه ، وبعد ذلك يكون كلّ منهما عاملا بهذا الأحكام ، عملهما بالأحكام الأوّلية . ونظير ذلك ما لو قال الملك للرعية : اعملوا بقول الوزير ، واعتمدوا عليه في أحكامي ، وكان فيهم من لا يعرف لغة الوزير ، فإذا ترجم العارف بلغته كلامه للجاهلين بها ، فقد تساوى الجميع في معرفة قوله . وإذا أمر بالفحص عن متاع في السوق ، فإنّ للفحص طريقين : المباشرة بالنفس وإرسال الثقة لذلك ، فإذا أخبر بعدم وجوده ، كان المرسل متفحّصا حقيقة ، وكذلك المقلَّد مع المجتهد ، يكون بمعرفته بالدليل عارفا وبفحصه متفحّصا .
[1] إشارة إلى الآية 58 من سورة النور . [2] ذهب اليه الميرزا محمد حسين الغروي النائيني . انظر : فوائد الأصول 3 : 3 .