والترجيح . وأين هذا من المصلَّي في الأرض المغصوبة ، العالم بتكليفين منجّزين ، الحاكم عقله بلزوم الجمع بين الغرضين ، فإذا أراد الرجوع إلى الترجيح ، فأيّ دليلي التكليفين ترى له أن يرجّح ؟ أدليل الصلاة وهو ضرورة الدين ، أم حرمة الغصب وهو إجماع المسلمين ؟ . ومن الطريف استدلال بعضهم بإطلاق دليل الأمر ، مع أنه قد مرّ عليك في مواضع شتّى ، أنه لا يعقل الإطلاق ولا التقييد في المقام وأمثاله . وأيضا لو كان للأمر إطلاق يشمل ما يؤتى في ضمن الحرام لكان معناه تخصّص حرمة الغصب بغير صورة الامتثال ، ولو كان مقيّدا بغيره لكان حال هذه الصلاة حال الصلاة في الحرير ونحوه ، وعلى الفرضين لم يكن من مسألتنا هذه في شيء . وقد تنبّه بعض أساتيذنا لبعض هذه المفاسد ، ورام الخلاص عنها ، فجعل المقام من باب التزاحم ، فلم يبعد عن الخطأ ، بل وقع فيه ، إذ المفروض تمكّن المكلَّف من الجمع بين الغرضين ، فلا مزاحمة أصلا ، وعليه فأصغر المحرّمات يغلب أهمّ الواجبات . نعم لو فقدت المندوحة ، فالمقام من باب التزاحم ، ولكن هذا خروج عن فرض المقام . ويظهر من بعض كلماتهم أنّهم يحاولون بذلك تصحيح صلاة جاهل الغصبيّة وناسيها . وأنت خبير بأنّ مانعيّة النهي عن الامتثال لو كانت بحسب ذاتها فالصلاة باطلة منهما أيضا ، وإن كانت بحسب فعليّتها فلا مانع عن الصحّة من غير فرق بين تغليب أحد الجانبين . وأحسن وجه لتصحيح عبادتهما أن يقال : إنّ مع الجهل - بل مع النسيان - لا يتحقّق موضوع الغصب ، لأنه ليس مطلق التصرّف في مال الغير بغير إذنه