اصطلاحا ، وهو الأمر الوجوديّ الَّذي يمتنع وروده مع غيره على محلّ واحد امتناعا ذاتيّا ، وذلك ليكون العنوان جامعا للأقوال المنقولة في الكتب المفصّلة . وحيث إنّ المهمّ في هذه المسألة البحث عن تشخيص جزئي من جزئيّات المسألة السابقة أعني مقدمية الضدّ فلا علينا إذا قصرنا الكلام عليها وجعلنا العنوان « مقدّمية الضدّ فعلا وتركا لترك الضد وفعله » [1] . وقد اختلف أنظار أهل العلم فيها ، فمن قائل بها مطلقا ، ومنكر لها كذلك ، ومفصّل بين الفعل والترك يرى مقدّمية الترك للفعل دون الفعل للترك ، وآخر يرى التفصيل بين الضدّ الموجود ، وبين غيره ، فيخصّها بالأول . والَّذي يذهب إليه مشايخنا من هذه المذاهب هو منع المقدمية مطلقا ، ودليله الوجدان ، إذ من الواضح أنّ البياض مثلا لا يتوقف وجوده على عدم السواد ، ولا عدمه على وجوده ، بل كلّ منهما يوجد بوجود علَّته التامة ، وينتفي بانتفائها من غير تأثير لأحدهما في الآخر وجودا وعدما ، فإذا انتفى الأسود مثلا ، فما بياضه إلاّ لوجود تمام علَّته ، وتصرّم علَّة ضدّه ، أو مغلوبيّتها عن علَّته . ولو لا أنّ القول بالمقدّمية هو المشهور بين المتقدمين ، وإليه يذهب جمع من محقّقي المتأخّرين كان لقائل أن يقول : إنّ الذاهب إلى القول بالمقدّمية رأى التمانع بين الأضداد ، وسمع أنّ عدم المانع من أجزاء العلَّة التامة فولد منهما المقدّمية ، وخفي عليه أنّ مجرّد التمانع وعدم إمكان الاجتماع لا يقتضي بالتوقف الَّذي هو معنى المقدّمية ، وما يذكره علماء المعقول من شرطيّة عدم المانع فإنما يعنون بها المانع من تأثير المقتضي . هذا ، مضافا إلى ما يرد على القائل بالمقدّمية من الدور الواضح [2] على
[1] معنى العبارة : مقدّميّة الضد فعلا لترك الضد الآخر وتركا لفعله . ( مجد الدين ) . [2] إذ عدم كل واحد من الضدّين مقدّمة لوجود الآخر ، وبعبارة أخرى وجود كلّ منهما متوقف على عدم الآخر . ( مجد الدين ) .