وأرفع . والتأمل الصحيح يشهد بأنهما يعتبران في وقوع الواجب الغيري على صفة الوجوب بحيث يكون مصداقا له ، إرادة الغير ، أو إيصاله إليه [1] كما يتضح لك قريبا ، وتعرف إن شاء اللَّه أن ما ذهبا إليه هو الصحيح ، ومرادهما واحد وإن اختلف التعبيران ، وكيف يخفى عليهما أنّ لازم ما نسب إليهما أن يعود الأمر بالمقدّمة إلى ضرب من العبث والمجون ، إذ معناه حينئذ افعل المقدّمة إن كنت تفعل ذا المقدمة ، وباللازم افعل المقدمة إن كنت تفعلها ، لأنّ فاعل الواجب فاعل لمقدّمتها بالضرورة ، وأن لا يكون العصاة مكلَّفين بالمقدّمات أصلا ، إلى غير ذلك من ضروب الفساد المترتبة على هذا الوهم . وأمّا وقوعها على صفة الوجوب فهل يشترط فيه داعي التوصّل بها إلى الغير أو ترتبه عليها وكونها موصلة إليه أو لا يشترط فيها شيء منها ؟ وجوه نسب الأول إلى الشيخ الأعظم . وليست هذه النسبة بثابتة عندي ، وإن كان يوهمها عنوان مقرّر بحثه ، ولكنّ التأمل في سائر ما نقل عنه يقضي بغير ما ذكره في العنوان . وحاصل ما يستفاد منه أنه - طاب ثراه - يرى توقف خصوص المقدّمات العبادية على قصد الغير ، لا من حيث مقدّميّتها كما هو مفروض البحث ، بل من حيث كونها عبادة ، وقد بنى ذلك على مقدمات ، فرغ من إثباتها في مواضعها ، من أنّ المقدمات العبادية ليست مقدّمات بذواتها ، كما هو الشأن في التوصّليات ، بل وصف المقدّمية ثابت لها باعتبار كونها عبادة ولا عبادة إلاّ بالامتثال ، ولا امتثال إلاّ بقصد الأمر بحيث يكون الأمر باعثا نحو الفعل ، فلا بدّ في قصد الأمر
[1] وقد صرّح بذلك صاحب الفصول - طاب ثراه - عند الكلام على هذا المقام في التنبيه الأوّل من تنبيهاته التسعة في مبحث مقدّمة الواجب . ( مجد الدين ) .