خروج بعضها عن الأصل ، لخصوصيّات لبعض الموادّ ، أو عنايات خارجيّة في بعض الاستعمالات ، واستقصاء ذلك متعسّر ، بل متعذّر ، ومع ذلك فليس من وظائف هذا الكتاب . هذا ، وقد كان السيّد الأستاذ قدّس اللَّه تربته وشرّف رتبته ، يقول - عند ذكر بعض هذه الأقسام - : إنّها إنّما تكون بالنظر إلى كلَّية الأبواب ، فلا ينافي وجود مادّة من الموادّ غير قابلة لتمام تلك الاعتبارات ، إذ لم يستعمل بعضها في اللَّغة ، أو صرّح بعدمه علماؤها . قلت : توقف صحّة الاستعمال على السّماع ينافي ما أسّسه رحمه اللَّه من الوضع النّوعي للهيئات ، بل مقتضاه جوازه ، حتّى مع منع الواضع عنه ، لما عرفت سابقا في مبحث معاني الحروف ، من عدم معقوليّة شرط الاستعمال . وبالجملة مجرّد عدم الاستعمال ، بل ومجرّد منع اللَّغويّين عن بعض الهيئات في بعض الموادّ لا يوجب عدم قابليّة المادّة ، بل لا بدّ أن يكون كلّ من عدم الاستعمال أو المنع مسبّبا عن قصور في نفس المادّة أو الوضع . أما الأول فمثاله : المساجلة ، فإنّها بمعنى المفاخرة [1] ، ولا تستعمل من غير باب المفاعلة ، والسر فيه أنّ السجل في اللَّغة بمعنى الدّلو العظيمة [2] ، ولا مناسبة بين الدّلو والفخر حتّى يطَّرد القياس ، ويتأتّى منه جميع الهيئات ، وإنّما المناسبة المصحّحة للاستعمال في خصوص هذا الباب [3] ، أنّ المتفاخرين لمّا كان كلّ منهما إذا أتى بمكرمة لنفسه أو منقبة لعشيرته عارضه الآخر بمثله ، ونزح من ركيّ مكارمه دلوا كدلوه ، كانا كالمتساجلين ، يمتح [4] هذا دلوا والآخر أخرى .
[1] راجع لسان العرب 11 : 326 . [2] لسان العرب 11 : 325 . [3] أي : باب المفاعلة . ( مجد الدين ) . [4] الماتح : المستقي من البئر . من أعلاها . لسان العرب 2 : 588 .