على السطح ، فلم يملك نفسه حتى شرع بالعتاب وهو واقف بعد على الباب ، وقال : « ما هذا الَّذي ينقل عنك ويعزى إليك ؟ » فقلت : « نعم وقد أصبت الواقع وصدق الناقل » فقال : « إذا قلت في شجاع إنه أسد فهل له ذنب ؟ » فقلت له مداعبا : « تقوله في مقام المدح ولا خير في أسد أبتر » ثم صعد إليّ ، وبعد ما أسمعني أمضّ . [1] الملام ألقيت عليه طرفا من هذا الكلام ، فقبله طبعه السليم وذهنه المستقيم ، فقال : « هذا حق لا معدل عنه ولا شك فيه » ثم كتب في ذلك رسالة سمّاها ( فصل القضاء في الانتصار للرضا ) ومن ذلك اشتهر القول به ، وقبلته الأذهان الصافية ، ورفضته الأفهام السقيمة . ومن يك ذا فم مرّ مريض يجد مر به العذب الزلالا [2] وأنت إذا تصفّحت كتب المحقّقين كالفصول وهداية المسترشدين وجدت هذا المعنى مرتكزا في أذهانهم ، ولكن تقريره بواضح البيان وإثباته بقائم الحجة والبرهان كان مدّخرا لنا في حقيبة [3] الزمان . ( فصل ) وكأنّي بك وقد زعمت أني قد أطنبت فمللت ، ولم تدر أني قد سهلت لك الوعر [4] ، وأوضحت لك الطريق ، وأرحتك عن تلك التطويلات المملَّة التي ذكروها في تعداد العلائق المجوّزة لاستعمال المجاز ، وما تجده في المفصّلات من علائمها وعلائم الحقيقة ، وعن الدور والجواب عنه بالإجمال والتفصيل ، وعن البحث في موارد كلّ من قاعدتي أصالة الحقيقة ، وأنّ الاستعمال أعمّ من الحقيقة
[1] المض : الحرقة : لسان العرب 7 : 233 . [2] البيت من قصيدة لأبي الطيب المتنبي . ( ديوان المتنبي 3 : 228 ) وفيه : الماء : بدل العذب . [3] بالفارسية : خورجين . ( مجد الدين ) . [4] الوعر : ضد السهل . القاموس المحيط 2 : 154 ( وعر ) .