حاول صعبا ، بل رام ممتنعا ، فحال المجاز حال غيره من مذاهب البلغاء ، ويشبه من هذه الجهة ما يتكلَّم به على سبيل المزاح والمجون [1] ، ولهذا قال الفقهاء : إنّ المبالغة ليست بكذب كغيرها من هزل الكلام ومجونه . ( فصل ) ومما ذكرنا في المجاز يتّضح الحال في الكناية ، ويستغنى به عن تلك التكلَّفات والتطويلات المملَّة المذكورة في كتب الأصول والبيان ، وأنّ الحال فيها كالحال في المجاز بعينه ، والألفاظ فيها مستعملة في معانيها الحقيقة بالإرادة الاستعمالية ، والغرض الَّذي يعبّر عنه بالإرادة الجدية هو الملزوم . ومن الغريب ما ذكروه في الفرق بينها وبين المجاز من لزوم القرينة المعاندة فيه وعدمها فيها مع أن الحال فيهما واحد ، لأنّ السامع إن كان عالما بالغرض الأصلي ، وعدم مطابقته مع الاستعمال فهو يستغني عن القرينة فيهما معا ، وإلاّ فهي لازمة في الكناية لزومها في المجاز بعينه ، فمن قال : « زيد طويل النجاد » [2] كناية ، وكان السامع بليدا يزعم أنه يريد الإخبار عن طول النجاد [3] فلا بدّ أن ينصب له قرينة تدلَّه على أنّ المراد طول قامته ، وأنه لم يشتمل سيفا طول عمره ، ولم يصاحب عاتقه نجاد قط . ومن هذا يظهر خطأ من جعل الكناية قسيما للحقيقة والمجاز ، وثلَّثهما بها ،
[1] مجن مجونا فهو ماجن : من لا يبالي قولا ولا فعلا . القاموس المحيط 4 : 270 ، مجمع البحرين 6 : 314 ( مجن ) . [2] من ألفاظ المدح عند العرب ، قولهم : فلان طويل النجاد ، أو كثير الرّماد ، كناية عن طول القامة ، وكثرة الضيافة . ( مجد الدين ) . [3] نجاد : حمائل السيف ، القاموس المحيط 1 : 340 ، الصحاح 2 : 543 ( نجد ) .