وستعلم في محلَّه - إن شاء اللَّه - أنّ أصل العدم من الأصول الفطرية المعتمدة عليها عند العقلاء في أمثال هذا المورد ، وهذا هو الوجه في أصالة الحقيقة ، وقد أغرب بعض أساتيذنا ، فجعل الوجه فيه الوجوب التعبدي من المولى في بيان طويل لا يناسب المقام نقله . وإن كان لا بدّ من تصوّر المجاز بالمعنى المشهور ، وتكلَّف الوضع له فأحسن القول فيه أن يقال : إن اللفظ متى حصلت له خصوصية مع معنى من المعاني بواسطة الوضع ، فلازم ذلك حصولها لما يشابهه بل لمطلق ما يناسبه على ما هو المطَّرد في سائر الخصوصيّات الحاصلة بين الأشياء ، فالدار إذا صارت لزيد وحصلت علاقة الملكيّة بينها وبينه فلا بدّ من حصول مرتبة منها بين أولاد زيد وإخوته - مثلا - معها ، وعلى هذا فاللفظ الموضوع لمعنى لا بدّ لوجود مرتبة من الوضع لما يناسبه ، وإذا منعت القرينة عن إرادة المعنى الأصلي الَّذي وضع له اللفظ تعيّن إرادة أقرب ما يناسبه . اللَّهم هذا هو التكلَّف الَّذي يثقل على السمع ، وينبو عنه الطبع ، وعلى علاّته فهو خير من أكثر ما ذهب إليه ، واعتمد الأفاضل عليه ، ويمكنك أن تجعله شرحا لمقال القائل بأنّ جواز المجاز بالطبع . ( المجاز المركّب ) وكما أثبتوا المجاز في المفرد أثبتوه في المركّب أيضا ، وحدّه - على ما في الفصول - « استعمال المركّب أو المركّب المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما ، وإن كانت العلاقة مشابهة سمّيت استعارة تمثيلية كقولهم للمتردّد في أمر : أراك تقدّم رجلا وتؤخّر أخرى ، فيصحّ فيه أن يلاحظ ما يلزم من تقدّم رجل وتأخّر أخرى عادة من التردّد ، وعدم ثبات الرّأي ، فتطلق عليه الألفاظ الموضوعة بإزاء ملزومه بعلاقة اللزوم فيكون مجازا مركّبا ، وأن يشبّه حال إقبال المخاطب المتردّد على الأمر تارة وإدباره أخرى بحالة من يتردّد في سلوك طريق فيقدّم رجلا