بوجوب العمل بمؤدى الدليل إنما يكون في الغالب من حيث كونه طريقا موصلا إلى الواقع ، فإذا انكشف الخلاف تبين عدم حصول الامتثال وأداء التكليف ، نظرا إلى انتفاء الحيثية المذكورة وعدم حصول ما هو مطلوب الشارع . لكن لا يخرج بذلك الفعل الواقع قبل الانكشاف عن كونه متعلقا للتكليف مرادا للشارع [ لوقوعه حال تعلق التكليف به كذلك ، إلا أنه بعد ظهور الحال يكون التكليف المتعلق به على نحو التكاليف الاختبارية حسبما أشرنا إليه ] [1] وتفصيل الكلام في هذا المرام مما لا يسعه المقام ، ولعلنا نفصل القول فيه في مقام آخر . إذا تقرر ذلك فلنرجع إلى ما كنا فيه ، فنقول : قد عرفت أن الأحكام الظاهرية مع المخالفة للواقع واقعية أيضا بوجه وإن لم تكن واقعية بمعناها الظاهر ، والفقه هو العلم بتلك الأحكام ، وهي أحكام شرعية مستفادة من الأدلة التفصيلية سواء طابقت الحكم الأول أو لا . فإن قلت : إن العلم بالأحكام الظاهرية إنما يحصل من الدليل الاجمالي دون الأدلة التفصيلية ، فإن أقصاها إفادة الظن بالحكم . قلت : إن تلك الأدلة ليست مفيدة لليقين بملاحظة أنفسها ، وأما بملاحظة الدليل القاطع أو المنتهي إلى القطع القاضي بحجيتها فهي تفيد اليقين قطعا من غير حاجة إلى ملاحظة الدليل الاجمالي المفروض ، بل ذلك الدليل الاجمالي إجمال لذلك التفصيل ، فتأمل [2] .
[1] ما بين المعقوفتين من المطبوع ( 1 ) . [2] إشارة إلى ما قد يورد في المقام من جريان ذلك بالنسبة إلى المقلد أيضا ، فإن كل واحد من فتاوى مجتهده دليل تفصيلي له نظرا إلى قيام الدليل القاطع على كون ذلك حجة عليه . ويدفعه : ما عرفت في بيان معنى التفصيلية . فإن قلت : إن الأدلة التفصيلية بالنظر إلى الواقع لا تفيد بما فيها سوى الظن ، وبالنظر إلى الظاهر أنها تفيد العلم من جهة إجمالية جارية في جميع المسائل ، أي من حيث كونه حكم الله في شأنه وشأن مقلده ، فكيف تعد تفصيلية على الوجه المذكور من حيث إفادتها للعلم بالأحكام ؟ قلت : يكفي الملاحظة المذكورة في كونها تفصيلية إن كانت إفادتها العلم من جهة إجمالية ، إذ ليس في العبارة ما يفيد كونها تفصيلية من كل جهة . ( منه أعلى الله مقامه ) .