فيكون ظن كل مجتهد بالحكم كاشفا عن كون ذلك هو حكمه بحسب الواقع ، إذ حينئذ يتم التقرير المذكور ويكون كل مجتهد عالما بما هو حكم الله تعالى في حقه بحسب الواقع . وأما على أصول الإمامية على ما وردت به نصوصهم المتواترة عن أئمتهم ( عليهم السلام ) من كون حكم الله تعالى في الوقائع واحدا بحسب الواقع وأن له تعالى في كل واقعة حكما مخزونا عند أهله ، أصابه من أصابه وأخطأه من أخطأه ، فلا وجه للكلام المذكور أصلا ، إذ لا تفيد الأدلة المفروضة القطع بكون ذلك هو حكم الله تعالى في الواقع ، إذ المفروض احتمال الخطأ في الاستدلال ، بل ووقوعه قطعا بالنسبة إلى الآراء المختلفة فلا يعقل علمهم بحكمه تعالى مع فرض كون الطريق ظنيا ، غاية الأمر أن يكون المخطئ مع عدم تقصيره في بذل الوسع معذورا ، فيجب عليه العمل بمؤدى نظره وإن كان مخطئا ، وأين ذلك من العلم بأحكامه تعالى كما هو المدعى . ويضعفه : أن ذلك كله إنما يتم لو كان مبنى الجواب على حمل " الأحكام " في الحد على الأحكام الواقعية ، كما هو الظاهر من كلام المصنف ( رحمه الله ) . وأما لو كان مبنيا على حمل " الأحكام " على الظاهرية التكليفية فلا ، إذ من الواضح اختلافها باختلاف الآراء ، للقطع بتكليف كل مجتهد ومقلديه بما أدى إليه ظنه ، وهي أيضا أحكام شرعية متعلقة لخطاب الشرع ، غاية الأمر أنها على فرض مخالفتها للواقع أحكام ثانوية ، وهي أيضا مطابقة للواقع على الوجه المذكور . وكشف الحال : أن هناك حكمين : حكم واقعي وهو الذي كلفنا به أولا لولا جهل المكلف المانع من تعلق التكليف به ، وحكم ظاهري وهو الذي يجب علينا البناء عليه والتعبد به في ظاهر الشرع بمقتضى الأدلة الشرعية ، سواء علمنا مطابقته للأول أو ظنناه أو شككنا فيه أو ظننا خلافه أو ولو علمنا المخالفة كما في بعض الفروض ، فالنسبة بينهما عموم من وجه . والفقه بحسب الاصطلاح هو الثاني ، والعلم به يحصل عن الأدلة الشرعية التي قررها صاحب الشريعة وأوجب علينا العمل بمؤداها وهي الأدلة التفصيلية