من تلك الأوامر بعد ملاحظة بعضها مع البعض إلا تعدد المكلف به وكون المطلوب في كل منها مغايرا لما يراد بالآخر ، فمواد تلك الأوامر وإن كانت موضوعة بإزاء الطبائع المطلقة القاضية بأداء الجميع بالإتيان بمصداق واحد لحصول الطبيعة المطلوبة بتلك الأوامر في ضمنه إلا أن صريح فهم العرف يأبى عن ذلك . ألا ترى أن السيد إذا قال لعبده : " اشتر منا من اللحم واشتر منا من اللحم " لم يفهم منه بعد فهم تعدد التكليفين من جهة العطف إلا كون المطلوب بالثاني هو المن المغاير للأول ، فإذا كان الحال كذلك في الأمرين المتعاقبين كان الأمر في غير المتعاقبين أيضا ذلك ، إذ لا يتصور فرق بينهما بعد البناء على تعدد التكليف كما هو مفروض البحث . بل فهم العرف حاصل هناك أيضا بعد ملاحظة الأمرين معا والبناء على تعدد التكليفين من غير تأمل منهم في ذلك ، فيكون ذلك في الحقيقة قيدا في المطلوب بكل من الأمرين أو الأوامر المتعلقة بالطبيعة ، وذلك التقييد إنما يستفاد من تعدد الأمر والتكليف الظاهر في تعدد المكلف به حسب ما بيناه ، فكون التقييد مخالفا للأصل مدفوعا بظاهر الإطلاق غير مفيد في المقام بعد قيام الدليل عليه من جهة فهم العرف ، وكذا الحال فيما ذكر من الأصل فإن الأصل لا يقاوم ظاهر اللفظ . نعم ، لو لم يكن هناك ظهور في اللفظ لم يكن مانع من الاستناد إلى الأصل ، وقد عرفت أن الحال على خلاف ذلك . ويعضده ملاحظة الأوامر الواردة في الشريعة ، فإن معظم التكاليف مبنية على تعدد المكلف به ، كما إذا نذر دفع درهم إلى الفقير ثم نذر دفع درهم اليه . . . وهكذا فإنه يلزم بدفع دراهم على حسب النذر الواقع منه ولا يكتفي بدفع درهم واحد عن الجميع قطعا . وكذا لو فاتته إحدى اليومية مرات عديدة لم يكتف في قضائها بصلاة واحدة تقوم مقام الجميع . وكذا لو وجب عليه قضاء أيام من شهر رمضان لم يكتف بصوم يوم واحد