ومع الغض عن ذلك فكون الترك الصادر منه على سبيل الاستكبار على آدم ( عليه السلام ) كاف في المقام ، إذ لا دليل على كون ما ترتب على مخالفته من الإبعاد والإهانة متفرعا على مجرد الترك ليفيد المدعى ، ومجرد احتمال حرمة الاستكبار سيما بالنسبة اليه خصوصا بالنظر إلى كونه على آدم ( عليه السلام ) كاف في هدم الاستدلال . مضافا إلى ظهور قوله تعالى : * ( فما يكون لك أن تتكبر فيها ) * [1] في قبحه وتحريمه ، بل هو الظاهر من سياق سائر الآيات أيضا . وربما يظهر منها أن ما ورد على إبليس إنما كان من جهة الكبر ، وقد يستظهر ذلك من الأخبار [2] أيضا . فقوله : " إن هذه شئ ربما يعد من تبعها في عداد المقصرين " مشيرا به إلى أنه لا يزيد على ارتكاب المكروه كما ترى . ثم إنه قد يورد على الاحتجاج أمور اخر : منها : أن أقصى ما تفيده الآية دلالة الأمر على الوجوب في عرف الملائكة قبل نزول آدم ( عليه السلام ) إلى الأرض ، وإفادة الأمر للوجوب في لسانهم لا يفيد دلالته عليه عندنا . وقد يجاب عنه بأصالة عدم النقل ، وهو كما ترى ، إذ هو إنما يفيد مع اتحاد اللسان ، وكون الخطاب هناك بالعربية غير معلوم سيما إذا قلنا بكون الأوضاع اصطلاحية ، ومع احتمال اختلاف اللسان لا يعقل التمسك بأصالة عدم النقل . وأجيب أيضا بأن حكاية أقوال أهل لسان لآخرين إنما يصح من الحكيم إذا أتى بما يفيد المطلوب من لسان الآخرين واستعمل حقيقتهم في حقيقتهم ومجازهم في مجازهم . وأنت خبير بأن أقصى ما يلزم أن يعتبره الحكيم عدم اختلاف المعنى ، وأما اعتبار الموافقة في النقل بين حقائق ذلك اللسان وهذا اللسان وكذا المجاز فمما لا شاهد على اعتباره ، ولا جعله أحد من شرائط النقل بالمعنى .
[1] سورة الأعراف : 13 . [2] الكافي 2 : باب الكبر ص 309 - 312 .