بقي الكلام فيما ذكر من تعدد معناه الهيئي أيضا نظرا إلى أخذ الزمان والإسناد إلى فاعل ما في مدلول الأفعال ، فلا يكون الوجوب تمام معناه الهيئي . وقد يدفع بأن فعل الأمر منسلخ عن الزمان حيث إنه لا يراد منه إلا طلب الفعل ، فلا دلالة فيه على الزمان حسب ما يجئ الإشارة اليه في كلام المصنف ( رحمه الله ) والوجوب الملحوظ في المقام ليس معنى تاما بل اخذ حالا في النسبة المأخوذة في تلك الصيغ ، فالنسبة ملحوظة فيه حسب ما سنشير اليه إن شاء الله . وعن الثاني بأن مفاد الصيغة هو الوجوب المصطلح حيث إنه وضعت الصيغة للدلالة عليه ، فيكون الإلزام المستفاد منها هو الحاصل من العالي الذي يستحق في مخالفته الذم والعقاب ، فتدل على أن القائل بها شخص عال أوجب الفعل على المخاطب . والحاصل : أن الصيغة موضوعة لخصوص الأمر أي لخصوص الطلب الصادر من العالي المستعلي ، بناء على انحصار الاستعلاء في الإيجاب ، فلا يكون الطلب الصادر من غيره من موضوع اللفظ ويكون استعماله إذن مجازا ، كذا اختاره بعض الأفاضل عند تقرير محل الخلاف ، على طبق ما حكيناه عنه من اعتبار العلو والاستعلاء معا في الأمر ، وتفسيره العلو بما مر . وأنت خبير بأن الكلام المذكور في غاية البعد . وكيف يقال بانحصار مدلول الأمر حقيقة في ذلك ؟ ومع أن معظم استعمالاته اللغوية والعرفية على خلاف ذلك ، وقد عرفت أن العلو المأخوذ فيه حسب ما مر هو العلو العرفي دون العلو الذي يوجب استحقاق الذم والعقاب في مخالفته . فدعوى دلالة الصيغة على أن المتكلم بها ممن يجب طاعته عقلا أو شرعا موهونة جدا ، بل دعوى كونها موضوعة لخصوص الأمر غير ظاهرة أيضا . بل الظاهر وضعها للأعم من الأمر والالتماس والدعاء ، فليس العلو أو الاستعلاء معتبرا في وضعها أصلا وإنما يعتبر ذلك في كونها أمرا ، كما يعتبر خلافه في كونها التماسا أو دعاء ، وذلك ظاهر بعد ملاحظة الاستعمالات المتداولة