وفيه ما عرفت من عدم وضوح دلالة التقسيم على ذلك ، على أنه قد يحصل الانقسام في المقام بالنسبة إلى سائر مستعملات الأمر أيضا . نعم ، قد يرجع الأمر في ذلك إلى التبادر بأن يدعى تبادر المعنى القابل للقسمة المذكورة منه بحسب العرف فيؤول إلى ما ذكرناه . وأخرى بأن فعل المندوب طاعة والطاعة الحاصلة بالفعل هو فعل المأمور به . وقد يمنع من كلية الكبرى ، إذ قد تكون الطاعة بفعل المأمور به ، وقد تكون بفعل المندوب . وقد يذب عنه بأن المفهوم من الطاعة عرفا هو موافقة الأمر ، فلا يتجه المنع بعد فهم العرف ، لكن الدعوى المذكورة محل خفاء وإن لم يخل عن ظهور ما ، بل ادعى بعضهم الاتفاق عليه ، ففيه أيضا تأييد لما قلناه . احتج القائل بكونه حقيقة في الوجوب بالتبادر ، وبالآيتين الآتيتين ، وقوله ( صلى الله عليه وآله ) : " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك " [1] مع وضوح طلبه له على سبيل الندب . ويدفع الأول أن المتبادر من مادة الأمر وصيغتها ليس إلا طلب الفعل ، والطلب ظاهر في الوجوب ، ولذا ترى التبادر الحاصل فيهما حاصلا في قولك : " أطلب منك الفعل وأريد منك الفعل " ونحوهما مما يفيد مفادهما من غير تفاوت أصلا مع ظهور كون الطلب وما بمعناه موضوعا للأعم ، وليس ذلك إلا لظهور المعنى المذكور في الطلب الحتمي ، لكونه أظهر أفراده عند الإطلاق . ويشير اليه أيضا أن المتبادر من الإطلاق هو الوجوب النفسي العيني التعييني كما سيجئ الإشارة اليه ، مع أن ظاهر الجمهور عدم وضع الأمر له بخصوصه ، فيكون التبادر المذكور إطلاقيا عندهم أيضا فيهون الأمر في دعوى كونه إطلاقيا بالنسبة إلى الوجوب أيضا .
[1] وسائل الشيعة : ب 5 من أبواب السواك ح 3 ج 1 ص 355 .