وضع الأمر له ، فإن ذلك هو المستفاد من نفس الصيغة ، ويعطيه التأمل في سائر الإنشاءات من التمني والترجي والتعجب والنداء والاستفهام والمدح والذم وغيرها ، فإنها أسام لخصوص تلك الإيقاعات الحاصلة بواسطة الألفاظ الدالة عليها المستعملة لإفادتها ، سواء وافقت ما هو المحبوب عند المتكلم بها المراد له في نفسه أو لا . ألا ترى أنهم حكموا بصدق العقد على الواقع على سبيل الجبر والإكراه ، ولذا حكموا بصحته إذا تعقبه الإجازة مع أن القبول القلبي غير حاصل مع الإكراه قطعا ، فليس ذلك إلا لكون مفاد القبول المأخوذ في " قبلت " هو إنشاء القبول في الظاهر الواقع بإرادة معنى اللفظ المذكور وإن لم يكن هناك قبول نفساني ورضاء قلبي بالإيجاب واقعا حين صدور العقد ، ولذا حكموا بصدق العقد الفاسد عليه إذا لم يتعقبه الإجازة مع اعتبار الإيجاب والقبول في مطلق العقد . فمدلول الأمر أيضا هو إنشاء الطلب في الخارج ، سواء كان ذلك موافقا لما هو مقصوده في الواقع أو لا ، فالأوامر الامتحانية أوامر حقيقية لاستعمالها في الطلب على الوجه المذكور وإن لم يكن فائدة الطلب هناك إيقاع المطلوب في الخارج ، بل فوائد اخر مترتبة على نفس الطلب ، ولذا يتحقق عصيان المأمور حينئذ بترك المأمور به ويحسن عقوبته لأجل ذلك مع أنه ينبغي عدم تحقق العصيان على الوجه الآخر إلا من جهة التجري . نعم ، لو قامت قرينة على عدم إرادته لإنشاء الطلب في الخارج بل إنما ذكر صورة الأمر لمصلحة مترتبة عليه من غير قصد إلى معناه كان أمرا صوريا خارجا عن حقيقته . فظهر بما قررنا قوة القول بمغايرة الطلب للإرادة بالمعنى المذكور ، وأن دلالته على الإرادة المذكورة ليست وضعية بل من جهة قضاء ظاهر الحال بها ، نظرا إلى أن الظاهر من إلزام المأمور بالفعل كون ذلك مرادا له بحسب الواقع حتى يقوم دليل على خلافه .