الجملة بحسب اصطلاح أرباب الأصول ، وكونها قسما ثالثا عند أهل البيان . والتحقيق أن الكناية ليست من قبيل استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له وغيره سواء أدرجناها في المجاز أو جعلناها قسما آخر ، فليس في صحة استعمال الكناية دلالة على بطلان القول بالمنع من الاستعمال في المعنيين المذكورين حسبما عرفت الحال فيه مما قدمناه في الفائدة الثالثة ، ولنوضح الكلام فيه أيضا في المقام . فنقول : إن استعمال اللفظ في المعنى يكون على وجوه : أحدها : أن يطلق اللفظ ويراد به إفهام معناه الموضوع له استقلالا من غير أن يراد معه شئ آخر . ثانيها : أن يراد به إفهام غير معناه الموضوع له كذلك ، وهذا يكون على وجهين : أحدهما : أن يراد ذلك الغير من اللفظ ابتداء كما في : " رأيت أسدا يرمي " فإن المراد أولا من لفظ " الأسد " هو الرجل الشجاع ، غاية الأمر أن معناه الحقيقي واسطة في دلالته عليه من غير أن يراد من اللفظ أصلا . ثانيهما : أن يراد أولا من اللفظ معناه الحقيقي ، لا لأن يقف السامع عنده ويجعله متعلقا للإسناد المذكور في الكلام ، بل لأن ينتقل منه إلى المعنى المجازي الذي هو المقصود في المقام ، فليس شأن إرادة المعنى الحقيقي إلا مجرد حضوره لينتقل منه إلى غيره ويجعل وصلة إلى فهمه من غير أن يكون ذلك المعنى مقصودا بالإفهام من اللفظ أصلا . فالانتقال فيه إلى المعنى المجازي إنما يكون بعد توسط إرادة المعنى الحقيقي من اللفظ ، والمستعمل فيه على كل من الوجهين المذكورين هو المعنى المجازي ، إذ هو ملحوظ المستعمل ، والمقصود بالإفهام من اللفظ . وأما المعنى الحقيقي فليس إلا واسطة في الإفهام سواء لم يرد من اللفظ أصلا