ومنها : أن المراد صحة سلب ما يستعمل فيه اللفظ المجرد عن القرينة في العرف فإنه يصح عرفا أن يقال للبليد : إنه ليس بحمار ، ولا يصح أن يقال : إنه ليس بإنسان ، فعلم بالأول كون الحمار مجازا فيه ، وبالثاني صدق الانسان عليه على سبيل الحقيقة . وهذا الجواب يرجع إلى أحد الجوابين المذكورين في الجواب عن الدور الوارد في التبادر ، إذ قد عرفت مما مر جريان ذلك بالنسبة إلى ملاحظة صحة السلب وعدمها مع الإطلاق في كلام العارفين باللسان غير المتكلم ، وكذا بالنسبة إلى نفسه لو كان من أهل اللسان كما هو الغالب ، نظرا إلى الفرق بين العلم بالشئ والعلم بالعلم به ، وحينئذ فالمتوقف على إعمال العلامة هو الثاني والمتوقف عليه هو الأول حسب ما عرفت . هذا وقد أورد عليه بعض الأفاضل ( رحمهم الله ) بأن ذلك مجرد تغيير عبارة لا يدفع السؤال ، فإن معرفة ما يفهم من اللفظ عرفا مجردا عن القرائن هو بعينه معرفة الحقائق سواء اتحد المفهوم العرفي ففهم معينا أو تعدد من جهة الاشتراك ففهم الكل إجمالا وبدون التعيين ، وذلك يتوقف على معرفة كون المستعمل فيه ليس هو عين ما يفهم عرفا على التعيين أو من جملة ما يفهم عرفا على الاجمال فيبقى الدور بحاله . وأنت بعد ملاحظة ما قررناه تعرف ما فيه كيف ! والحاكم بصحة السلب وعدمها بناء على الأول هو العرف ، وإنما يتوقف حكمهم بذلك على معرفتهم بمعنى اللفظ لا على علم الملاحظ للأمارة المذكورة ، والحاصل بملاحظة العلامة المذكورة علم الملاحظ بالحال بعد الرجوع إليهم ، فمن أين يتوهم لزوم الدور ؟ وأما على الثاني فلا اتحاد أيضا في طرفي الدور كما عرفت . وأما الجواب عن الثالث فبما عرفت من اختلاف الحال في العلامة المذكورة ، فإن كان المراد معرفة حال المفهوم من حيث ثبوت الوضع له وعدمه فلا ريب في صحة السلب في المقامات المفروضة ، ضرورة أن مفهوم الكل غير مفهوم الجزء