حمل الشئ على نفسه ، لإمكان انتفاء الأمرين معا ، على أنه لو أريد الحكم بصحة الحمل أيضا فيمكن مراعاته باعتبار الحمل الذاتي دون المتعارف كما أشرنا إليه ، إلا أنه غير مأخوذ في العلامة المذكورة ، وأما بالنسبة إلى صحة السلب المأخوذ علامة للمجاز فالأمر أظهر ، إذ المفروض هناك تغاير المفهومين فلا إشكال في صحة السلب أصلا . هذا ، وقد ظهر بما قررنا أن تخصيص الحمل في المقام بالحمل الذاتي كما يوجد في كلام بعضهم [1] في الجواب عن الإيراد الأخير ليس على ما ينبغي ، كيف ! ومعظم موارد إعمال العلامتين المذكورتين ما يستعلم به الحال في المصاديق ولا معنى لأخذ الحمل هناك ذاتيا ومن الغريب نصه قبل ذلك بإعمال العلامة المذكورة في مقام تعرف حال المصداق . وأما [2] عن الثاني فبأن ما يتوقف عليه الحكم بعدم صحة السلب هو ملاحظة
[1] ذكره في رسالة له في بيان جملة من المبادئ اللغوية . ( منه ( رحمه الله ) ) . [2] قوله : " وأما عن الثاني . . . إلخ " . . لا يخفى أن إشكال الدور لا يختص بعدم صحة السلب بل يجري في صحة السلب أيضا ، ولم يتعرض له المصنف ( قدس سره ) بل اقتصر عند تقرير الدور على بيان ما يرد منه في عدم صحة السلب . والأجوبة المذكورة في كلامه منطبقة على دفعه بالنسبة إلى عدم صحة السلب ، إلا أنه صرح في ذيل الجواب الثالث بجريانه بالنسبة إلى صحة السلب أيضا فأشار بذلك إلى جريان الدور فيه أيضا ، وسيأتي منه عند الكلام في الأجوبة المذكورة في كلام القوم تقريره في صحة السلب أيضا . لكن لا يخفى أن الذي قرره بالنسبة إلى عدم صحة السلب يغاير ما يرد منه في صحة السلب ولا يجري أيضا في جميع الوجوه المذكورة له بل يختص ببعضها ، وما يرد منه في صحة السلب يجري في جميع وجوهها وفي عدم صحة السلب بجميع وجوهه . وتوضيح المقام أن إشكال الدور يجري في عدم صحة السلب من وجهين : أحدهما : خاص به لا يجري في التبادر ولا في صحة السلب ، وهو الدور المصرح الذي قرره أولا فإنه إنما يتجه من حيث أن العلامة عدم صحة سلب المعنى الحقيقي المتوقف معرفته على معرفة المعنى الحقيقي المتوقفة على معرفة عدم صحة السلب المذكورة فمبنى التوقف الأول على أن السلب المأخوذ في العلامة لا بد أن يعتبر مضافا إلى موصوف بكونه معنى حقيقيا ، إذ لولا ذلك لم يدل على الحقيقة ، كما سبق التنبيه عليه في كلامه . وظاهر أن معرفة عدم صحة السلب المعتبر على الوجه المذكور متوقفة على العلم باتصاف ما أضيف إليه بكونه معنى حقيقيا ، والتوقف الثاني هو مقتضى كونه علامة للحقيقة ، وهو ظاهر . وبالتأمل فيما ذكرناه يعلم أنه لا يرد في التبادر إذ العلامة هناك تبادر مطلق المعنى من نفس اللفظ دون المقيد منه بكونه معنى حقيقيا وإنما تعلم الصفة المذكورة بملاحظة تبادره من نفس اللفظ ، وليس الاتصاف المذكور معتبرا في العلامة ليتوهم توقف العلم بالوضع على العلم به ، وكذلك لا يرد في صحة السلب فإنه وإن كانت العلامة هناك صحة سلب المعنى الحقيقي المشاركة لعدم صحة السلب في الإضافة إلى المعنى الحقيقي الموجبة للتوقف المذكور ، إلا أن المتوقف على ذلك إنما هو معرفة المعنى المجازي دون المعنى الحقيقي ليتوهم لزوم الدور . ثم الوجه المذكور من الدور لا يجري في جميع الوجوه المذكورة ، لعدم صحة السلب بل يختص بالوجه الثاني منها وبالصورة الثانية من الوجه الأول ، ولا يجري في الصورة الأولى منه ولا في الوجه الثالث ، أما الأول فلأن العلامة في الصورة المذكورة إنما هو عدم صحة سلب مفهوم المسمى وما بمعناه ولا ريب أن معرفته من الجهة المذكورة لا تتوقف إلا على تصور المفهوم المذكور ، وظاهر أنه لا محذور في ذلك أصلا ، وأما الثاني فلأن العلامة في الوجه المذكور عدم صحة سلب الحقيقة الخاصة والطبيعة المعلومة عن الفرد المذكور المبحوث عنه من غير اعتبار كونه معنى حقيقيا للفظ ، إذ ليس المقصود بها إلا العلم باندراج المبحوث عنه في تلك الطبيعة وكونه من أفرادها ، فليست الإضافة إلى المعنى الحقيقي معتبرة في العلامة ليتوهم لزوم الدور من جهته . فظهر بما قررناه أن الدور بالتقرير المذكور إنما يتجه في موردين قد اعتبر فيهما عدم صحة السلب مضافا إلى مصداق المعنى الحقيقي ، فإنه الذي يتوهم توقف العلم على العلم بكون المعنى حقيقيا ثانيهما ما هو نظير الدور الوارد على التبادر من توقف العلم بالوضع على الحكم بعدم صحة السلب - كما هو مقتضى كونه علامة - وتوقف الحكم بعدم صحة السلب على العلم بالوضع ، لوضوح أن الجاهل بالوضع مع احتماله لكون المعنى مجازيا غير موضوع له اللفظ أو غير مندرج في المعنى الموضوع له لا يتأتى منه الحكم بعدم صحة سلب المعنى الحقيقي بوجه من الوجوه المذكورة . وهذا الدور يجري في صحة السلب في جميع الوجوه المذكورة ، لعدم صحة السلب حق فيما يرد عليه الدور السابق من الموردين المذكورين فيتجه فيهما إشكال الدور من جهتين ، وهذا الدور كالدور السابق إنما يرد على وجه التصريح دون الإضمار ، كما أن وروده في التبادر أيضا كذلك حسبما مر بيانه هناك في كلامه ولا تعرض في كلامه هنا لهذا القسم عند تقرير إشكال الدور لكنه سينبه عليه عند نقل الأجوبة المذكورة في كلام القوم وردها . ويندفع هذا الدور في جميع موارده بالوجهين المذكورين في التبادر ، إلا في الصورة الأولى من الوجه الأول فيتعين فيها الجواب بالرجوع إلى العالم ، ولا يجري فيها الوجه الآخر من الفرق بين العلم بالشئ والعلم بالعلم به كما أشار إليه رفع مقامه ، والوجه فيه : أن كون المعنى موضوعا له وعدم صحة سلب مفهوم الموضوع له عنه مفهومان متلازمان في مرتبة واحدة ، ففرض عدم العلم بالعلم بالأول يوجب عدم العلم بالعلم بالثاني أيضا ، فلا يعقل الاستدلال بأحد العلمين على الآخر ، وهذا بخلاف عدم صحة السلب في سائر الوجوه ضرورة حصول الاختلاف فيها بينه وبين الوضع بحسب المرتبة بالعلية والمعلولية ، بل نقول : مرجع هذه العلامة على الوجه المذكور عند التحقيق إلى التنصيص بالوضع ، ولا يعقل أن يكون التنصيص بالوضع علامة له بالنسبة إلى من يصدر عنه ذلك التنصيص . وأما في غير الصورة المذكورة فالجواب عنه ما ذكر من الوجهين . وينبغي أن يعلم أن الوجهين المذكورين إنما يجديان في رفع الدور على الوجه الثاني خاصة ولا جدوى لها في رفع الدور على الوجه الأول ، لبقائه مع البناء على كل من الوجهين . أما بقاؤه على الوجه الأول من رجوع الجاهل بالوضع إلى حكم العالم به بعدم صحة السلب فلأن العلامة حينئذ وإن كان حكم العالم بعدم صحة سلب المعنى الحقيقي المتوقف على علمه بالمعنى الحقيقي لا على علم الجاهل المستدل لكن لا ريب أن المستدل بعلامة لا يتأتى له الاستدلال بها والتوصل بها إلى ذيها إلا مع علمه بتحققها ، فإذا كانت العلامة حكم العالم بالوضع بعدم صحة السلب المخصوص أي المضاف إلى ما يكون معنى حقيقيا للفظ والمفروض أن الجاهل المستدل يجب أن يعلم بثبوتها وتحققها فلا جرم يتوقف علمه بالوضع على علمه بكون المعنى الذي يحكم العالم بعدم صحة سلبه معنى حقيقيا تحقيقا لما هو العلامة للوضع وهو الدور المذكور . وبالجملة : فالتوقف الموجب للدور المذكور إنما ينشأ من إضافة السلب المعتبر في العلامة إلى ما يكون معنى حقيقيا الموجبة لتوقف العلم بالعلامة على العلم به ، ولا ريب في لزوم العلم بالعلامة للمستدل فيتوقف علمه بالوضع على علمه بالعلامة المتوقف على علمه بكون المعنى حقيقيا وإن كانت العلامة المعلومة حكم العالم بالوضع بعدم صحة السلب لا حكم المستدل نفسه فظهر أن كون الحاكم بعدم صحة السلب غير المستدل بالعلامة وهو الوجه الأول من الوجهين مما لا أثر له في دفع الدور المذكور . وأما بقاؤه على الوجه الثاني - وهو الفرق بين العلم بالشئ والعلم بالعلم به وان الأول قد يفارق الثاني والعلم بالعلامة إنما يتوقف على الأول المتوقف على العلم بها إنما هو الثاني فيختلف الطرفان - فلجريانه حينئذ بالنسبة إلى العلم بالعلم ، وذلك لأن العلم بالوضع إذا كان علة للعلم بعدم صحة السلب فالاستدلال بثبوت الثاني على ثبوت الأول استنادا في إثبات العلة إلى ثبوت المعلول يوجب توقف العلم بالعلم بالوضع على العلم بالعلم بعدم صحة السلب ، ضرورة أن مفاد الاستدلال ومحصله تحصيل العلم بالمدلول بالعلم بالدليل الموصل إليه ، ولا ريب أن العلم بالعلم بعدم صحة سلب المعنى الحقيقي يتوقف على العلم بالعلم بكونه معنى حقيقيا لعين ما ذكر من توقف العلم بالأول على العلم بالثاني وهو دور ظاهر ، غاية الأمر جريانه حينئذ بالنسبة إلى العلم بالعلم دون العلم نفسه . فقد اتضح مما قررناه أن الجوابين المذكورين لا يجديان في دفع الدور على الوجه الأول وإنما يندفع بها الدور على الوجه الثاني ، والوجه فيه اختلاف جهة التوقف في المقامين فيختلف وجه التفصي عنهما لا محالة . وأما الجواب عن الدور الأول فقد ذكر المصنف - طاب مرقده - فيه وجهين والصحيح منهما الثاني ، وتوضيحه : أن العلم بعدم صحة سلب المعنى الحقيقي إنما يتوقف على العلم باتصاف المسلوب بكونه معنى حقيقيا وإن كان ذلك المسلوب متصورا له على وجه الاجمال ، ويكفي فيه تصوره بعنوان أنه معنى حقيقي فيعلم من عدم صحة سلب ذلك المعنى الملحوظ في المجهول على وجه الاجمال عن المعنى التفصيلي الملحوظ في الموضوع كونه عين ذلك المجمل على أحد الوجهين ومندرجا فيه على الوجه الآخر ، فيكون الحاصل من العلامة هو العلم بالموضوع له على سبيل التفصيل على أحد الوجهين مع حصول العلم به على وجه الاجمال ، بمعنى أن له معنى حقيقيا قبل ملاحظة العلامة وإعمالها ، وعلى الوجه الآخر العلم بالاندراج في الموضوع له المعلوم على سبيل الاجمال قبل ملاحظة العلامة بل وبعدها أيضا . وأما الوجه الأول في الجواب فليس بشئ لأنه إن اعتبر في العلامة علم المستدل بالملازمة بين المعنى الملحوظ ، أعني المفهوم من اللفظ حال الإطلاق وبين المعنى الحقيقي عاد الإشكال لتوقف الحكم بعدم صحة سلب المعنى المذكور على العلم بالمعنى الحقيقي ، وإن لم يعتبر فيها ذلك لم يدل الحكم بعدم صحة السلب على الوجه المذكور على الحقيقة وإنما مقتضاه كون المبحوث عنه مفهوما من اللفظ حال الإطلاق أو مندرجا في المفهوم منه كذلك ، فيكون العلامة المذكورة حينئذ طريقا لإثبات التبادر ولا يكون علامة أخرى مستقلة ، كما هو المفروض . وأما الجواب الثالث المذكور أخيرا فجواب عن الدور الثاني ، لأن جهة التوقف المدعى فيه أن عدم صحة السلب معلول للوضع فيتوقف العلم به على العلم بالوضع توقف العلم بالمعلول على العلم بعلته فيجاب بالمنع من ذلك ، وأنه قد تحقق العلم بالمعلول ولا يتحقق العلم بعلته ، إذا لاحظه العقل ابتداءا وإن تحقق العلم بها بعد ملاحظة العلم بالمعلول ، فإن ذلك قضية كونه أمارة عليه إلى آخر ما ذكره رفع مقامه ، ومن هنا صح اجرائه الجواب المذكور في صحة السلب أيضا إذ قد عرفت جريان الدور المذكور فيه أيضا ، وحيث كان هذا جوابا ثالثا مغايرا للجوابين المذكورين في التبادر صح جوابا عن الدور واقعا له من غير التزام شئ من الوجهين المذكورين ، فيجاب به مع التزام توقف العلم بالوضع على الحكم بعدم صحة السلب دون العلم بالعلم خاصة والتزام رجوع المستدل إلى وجدان نفسه في الحكم المذكور دون غيره من العالمين بالوضع . بقي الكلام في الدور الذي يمكن إيراده في المقام على وجه الإضمار ، والحق أنه ملفق من القسمين ومركب من الجهتين ، ولذا يختص مورده بالموردين المتقدمين للدور الأول ، أعني ما اعتبر فيهما عدم صحة السلب ، مضافا إلى مصداق يساوق المعنى الحقيقي ويلازمه كالمعنى المراد من اللفظ حال الإطلاق أو المفهوم منه عند الإطلاق ونحو ذلك ، والصحيح في تقريره : أن يقال : إن الحكم بعدم صحة السلب المعنى المراد من اللفظ حال الإطلاق موقوف على العلم بكونه مرادا منه حال الإطلاق لعين ما ذكر في وجه التوقف في الدور الأول ، والعلم بكونه مرادا منه حال الإطلاق موقوف على العلم بالوضع لنحو ما ذكر في الدور الثاني فإذا توقف العلم بالوضع على الحكم بعدم صحة السلب المذكور - كما هو قضية جعله أمارة عليه - لزم الدور ، وحيث كان التوقف المدعى فيه أولا هو التوقف المدعى في الدور الأول وثانيا هو المدعى في الثاني اتجه اندفاع كل منهما بجوابه المختص به وإن اندفع بدفع أحدهما . وأما تقرير الدور على الوجه الذي ذكره المصنف ( رحمه الله ) فليس على ما ينبغي لأنه أشبه شئ بالمغالطات ، فإن الحكم بعدم صحة سلب المعنى المراد حال الإطلاق إنما يتوقف على فهم المعنى المراد منه حال الإطلاق بمعنى تصوره كما يقتضيه التعليل على أن يكون الظرف متعلقا بالمراد دون الفهم ولا توقف له على فهم المعنى المذكور من اللفظ ، والمتوقف على العلم بالوضع إنما هو فهم المعنى من اللفظ على أن يكون الظرف متعلقا بالفهم ، والحاصل أن الفهم الموقوف عليه في المقدمة الأولى هو مطلق الفهم والتصور لا خصوص الحاصل من اللفظ دون مطلق الفهم . ومما قررنا يظهر ما في كلامه ( قدس سره ) من أن هذا التقرير في إيراد الدور في المقام نظير ما مر في إيراده على التبادر مشيرا به إلى أن الجواب عنه أيضا نظير الجواب عنه ، كيف ! ولزوم تحقق العلامة عند المستدل بها كما أشرنا إليه سابقا قاض بلزوم تصور المستدل لمعنى المراد المعتبر في المحمول سواء أراد الاستدلال بها على الوضع وعلى العلم به سواء كان الحاكم بعدم صحة السلب المذكور هو المستدل أو غيره من العالمين بالوضع ، فلا الدور المذكور نظير الدور الوارد على التبادر ولا الجواب عنه بالوجهين المذكورين بمجد هنا كما اتضح الوجه في ذلك كله مما قررنا . للشيخ محمد . أثبتناه من هامش المطبوع - 1 .