كما قرر ذلك بالنسبة إلى المعاني الحقيقية . وفيه : أن ما ذكر إنما يفيد إناطة جواز الاستعمال في تلك المعاني على إذن الواضع وترخيصه وأما نفس الدلالة فغير مستندة إلى إذنه وتقريره ، والملحوظ في المقام هو حال الدلالة لا جواز الاستعمال ، والمناط في كون الدلالة وضعية أو عقلية كون الباعث على الانتقال إلى ذلك المدلول ابتداء هو الوضع أو العقل ، فإذا لم تكن الدلالة في المقام منوطة بالوضع المفروض وكانت حاصلة من جهة التزام ذلك لمعناه الحقيقي ولو بواسطة القرينة لم يتجه الحكم بكونها وضعية ، وإنما الحال فيها كسائر المداليل الالتزامية ، وتوقف استعمال اللفظ فيها على الوضع المذكور لا يجعل دلالته عليها وضعية ، كما قررنا . نعم ، يصح بذلك أن يقال بكونها مداليل مطابقية لكونها تمام الموضوع له بهذا الوضع النوعي ، وبذلك يظهر وجه الجمع بين ما ذكره علماء البيان من كون الدلالة في المجازات التزامية وما نص عليه بعض محققي الأصوليين من كون المعنى المجازي مدلولا مطابقيا ، فإن تلك المعاني مداليل التزامية من حيث إن الانتقال إليها إنما يحصل بتوسط المعاني الحقيقية ولو من جهة القرائن المنضمة ، ومطابقية من حيث كونها تمام الموضوع له بهذا الوضع الترخيصي المجوز لاستعمال اللفظ فيها وإن لم يتوقف على ذلك دلالتها عليها ، وحيث كان الملحوظ عند البيانيين هو حال الدلالة أشاروا إلى كونها التزامية حاصلة بتوسط المعاني الحقيقية . هذا ، ولا يذهب عليك أن المعاني المجازية وإن كانت لازمة للمعاني الحقيقية ولو بعد انضمام القرينة إلا أن فهمها لا يتوقف على الانتقال إلى المعاني الحقيقية ، إذ كثيرا ما يفهم المراد من اللفظ من جهة القرائن من غير علم بما وضع اللفظ له ، فتكون القرينة هي الدالة على إرادة ذلك المعنى من اللفظ ابتداء من غير انتقال إليه مما وضع اللفظ له . وإن شئت قلت : إن اللفظ دال عليه بتوسط تلك القرينة المنضمة إليه ، وحينئذ يشكل الحال في إدراج ذلك في شئ من الدلالات الثلاث ، إذ ليس الباعث على