الاختيار المذكور مبني على خلط في المقام ، فتأمل . قوله : * ( فلأن من شرط المجاز نصب القرينة المانعة . . . الخ ) * قد يقال : إن اعتبار القرينة المعاندة لإرادة الحقيقة في حد المجاز إنما وقع في كلام أهل البيان ، ولذا استشهد المستدل بما ذكروه ، وهم قد بنوا على تثليث الأقسام في المقام من الحقيقة والمجاز والكناية ، وأما علماء الأصول فالاستعمال عندهم منحصر في الحقيقة والمجاز ، ولذا لم يعتبروا وجود القرينة المانعة في حد المجاز ، فعلى هذا يتحد الاصطلاحان في الحقيقة ، وإنما الاختلاف بينهما في المجاز ، فالمجاز الأصولي أعم مطلقا من البياني ، لاندراج الكناية في المجاز عند الأصوليين وكونها قسيما له عند البيانيين . فظهر بذلك أن الدليل المذكور إنما يفيد عدم جواز الاجتماع بين إرادة المعنى الحقيقي والمجازي بالنسبة إلى المجاز البياني لا مطلقا ، والقائل بالجواز لم يصرح بجواز الاجتماع بالنسبة اليه بل أطلق جواز استعماله في الأمرين ، ومعلوم أن ذلك إنما يكون مع انتفاء القرينة المعاندة . وأيضا فالظاهر من إطلاق المجاز في كلامهم هو المجاز الأصولي وجواز اجتماع الإرادتين في ذلك معلوم بل متفق عليه بين أرباب البيان في الكناية ، بل اعتبر السكاكي فيها الجمع بين الإرادتين . ومن هنا حاول بعض أعاظم المحققين جعل النزاع في المسألة لفظيا ، نظرا إلى أن المانع إنما أراد امتناع الاجتماع بالنسبة إلى المجاز البياني ، كما يعطيه ملاحظة دليله ، والمجوز إنما أراد جواز الاجتماع في المجاز الأصولي الشامل للكناية ، فعلى هذا لا نزاع في المعنى ، إذ القائل بالمنع لا يمنع من جواز الاجتماع في الكناية المندرجة في المجاز الأصولي ، والقائل بالجواز لا يجوزه في المجاز البياني المعتبر فيه وجود القرينة المعاندة ، إذ امتناع الاجتماع حينئذ ضروري غير قابل للإنكار .