و في الثالث - و هو كون مفاهيم أجزاء الجمل بسائط مستقلة في الذهن - أولا: ما مر آنفاً من أنّ القضية الملفوظة كما تحتاج إلى وجود رابط يربط أطرافها، كذلك القضية المعقولة تتوقف على وجود رابط بين أجزائها الذهنية، فالملقي للكلام المفيد يحتاج أوّلاً إلى تصور الأطراف و الربط بينها ليتمكن من إلقائه ثانياً. و ببيان أوضح: كما أنّ الماهيات المبهمة اللابشرط المقسمي التي وضعت لها الألفاظ - بناءً على المذهب الصحيح الّذي اختاره السلطان في وضع أسامي الأجناس - تحتاج إلى حاكٍ يحكي عنها، كذلك الخصوصيات الطارئة عليها كتخصص السير بكونه من البصرة في قوله: «سر من البصرة»، و تقيّد الصوم بكونه من الطلوع إلى الغروب في قوله: «صم من الطلوع إلى الغروب» و غير ذلك، فإنّ الحاكي عن نفس الطبيعة المهملة لا يغني عما يحكى عن خصوصيتها، لعدم دلالته عليها، فكلّ من الطبيعة و خصوصياتها تحتاج إلى دالٍ يخصها، و لذا نحتاج في إثبات الإطلاق إلى مقدمات الحكمة، إذ المفروض أن اللفظ لا يدل إلاّ على نفس الطبيعة المهملة المعراة عن كل خصوصية و ارتباط. فنتيجة هذا البيان كون مداليل الحروف و الهيئات كمداليل الأسماء إخطارية لا إيجادية. و ثانياً: أنّ إيجادية المعاني الحرفية تستلزم محذوراً لم يلتزم به أحد، و هو خروج جميع القيود عن حيّز الطلب المنشأ بالهيئة و توضيحه منوط بتقديم أمرين مسلّمين: أحدهما: أنّ الطلب لا يتعلق إلاّ بما يكون مقدماً عليه رتبة، لتأخر الحكم عن موضوعه تأخر المعلول عن علته. ثانيهما أنّ وحدة رتبة علّتين تستلزم وحدة رتبة معلوليهما، إذا عرفت