لو كان فيهما الملاك وكانا متساويين من هذه الجهة . وأما لو كان ملاك أحدهما أهم ، فلا بد وأن يجعل الحكم على طبق الملاك الأهم و إلا لو جعل على طبق الملاك غير الأهم يلزم ترجيح المرجوح على الراجح ، ولو جعل التخيير تلزم التسوية بين الراجح والمرجوح ولو لم يجعل حكم أصلا لزم تفويت كلا الملاكين . ومعلوم أن هذه الثلاثة كلها قبيحة عقلا فيتعين الأول أي الجعل على طبق الملاك الأهم ، فلو كان مفاد كل واحد من ذينك الدليلين الذين بين متعلقيهما تضاد بمعنى عدم إمكان اجتماعهما في عالم الوجود دائما وجوب متعلقهما مطلقا ، فلا محالة يكون مثل هذين الدليلين متعارضين ، لعدم إمكان جعل مفادهما للزوم اللغوية فيكون مثل هذا الجعل - الذي لا يمكن دائما الا امتثال أحدهما - قبيحا على الحكيم بل كما ذكرنا لو كان الملاك في كليهما وكان فيهما متساويين ، فلا بد وأن يجعل التخيير وإلا لو كان أحدهما أهم فلا بد وأن يجعل على طبق ذاك الأهم . ( إذا عرفت ذلك ) فنقول : إنه لا شك في أن التضاد بين الجهر و الاخفات في القراءة دائمي ، فإذا دل دليل على وجوب الجهر في القراءة مطلقا ودل دليل آخر على وجوب الاخفات فيها فيكونان متعارضين ، فلو أحرزنا فيهما الملاك وكان متساويا فيهما فلا بد من جعل التخيير بينهما ، وإن كان أحدهما أهم فلا بد من الجعل على طبق الأهم فيكون من باب تزاحم الملاكين لا تزاحم الحكمين والترتب لا يجري إلا في مورد تزاحم الحكمين ( وبعبارة أخرى ) في مورد تزاحم الحكمين أي بعد الفراغ عن جعلهما وعدم لزوم محذور من قبل جعلهما من اللغوية وغيرها فان كانا متساويين من ناحية الملاك فيقيد إطلاق كل واحد منهما بعدم الاخر ، فينتج نتيجة التخيير وإن كان أحدهما أهم فيقيد إطلاق المهم بعدم الاتيان بالأهم . وأما فيما نحن فيه فلا يمكن جعل حكمين للزوم اللغوية ، فليس موردا للخطاب الترتبي أصلا . ( إن قلت ) أي مانع من أن يكون خطاب وجوب الجهر مثلا في الصلوات الجهرية مطلقا ، لكون مصلحة الجهر في نظر الشارع أهم و هكذا خطاب وجوب الاخفات في الصلوات الاخفاتية ويكون خطاب وجوب الاخفات في الصلوات الجهرية