سمع إلى آخره إنما يصحّ في مجرّد الانتقال دون الانتقال إلى المعنى المراد و قد عرفت أنه المعتبر و عن الثاني بأن التمسك بالأصل في مثل المقام غير وجيه أما أولا فلأن المعتبر في باب اللَّغات كون الدليل مفيدا للظن و أمثال هذه الأصول لا تفيده و أما ثانيا فلأن أصالة عدم الزيادة أنما يتمسك بها فيما إذا توافق المتخاصمان على أمر و ادعى أحدهما الزيادة كما إذا اتفقا على وضع لفظ لمعنى و ادعى أحدهما وضعه لمعنى آخر فإن الأصل حينئذ عدم الزيادة و كما إذا توافقا على دخول رجل في الدار و ادعى أحدهما دخول آخر فيها فإن الأصل حينئذ عدم الزيادة و أما إذا لم يتوافقا فلا يتمسك بها كما في محل البحث لأن أحد المتخاصمين يدعى الوضع للماهية المركبة من قيد الوحدة و الآخر للماهية المطلقة فليسا بمتوافقين في الدعوى نعم المدعي للوضع للماهية المركبة من قيد الوحدة يعترف بكون الماهية لها دخل في الموضوع له و معلوم أن هذا المقدار لا ينفع قطعا و إلا لزم فيما إذا ادعى بعض وضع لفظ الإنسان للحيوان و آخر للحيوان الناطق أن يقال الأصل وضعه للحيوان المطلق الأصل عدم الزيادة و هو غلط و بالجملة مرجع أصالة عدم الزيادة إلى أصالة عدم الحادث و معلوم عدم جريانها هنا نعم يمكن التمسك بأصالة عدم اعتبار الوحدة في الموضوع له لو ثبت دليل على أن الأصل في الوضع أن يكون للماهية المطلقة و ادعى استثناء خصوص المسألة عن حكم الأصل من غير دليل و لكنه ممنوع و عن الثالث بأن الأصل أن يكون التبادر ناشئا عن الوضع و لكن الإنصاف أن كون الوحدة جزءا من مفهوم اللفظ بحيث يدل عليه بالتضمن مما يكاد أن يقطع بفساده فإن قلت معنى الوضع هو التعيين و التخصيص و معناهما إثبات شيء لشيء و نفي شيء آخر عنه ففي وضع اللفظ للمعنى يجب تحقق النفي عن الغير و ليس إلا عدم الغير الموضوع له و هو معنى الوحدة قلت لو سلم هذا فغاية الأمر كون ذلك من لوازم الوضع و مقتضياته لا من أجزاء الموضوع له و اللفظ إنما يستعمل في الموضوع له نعم يلزم الاستعمال فيه المخالفة لإرادة الواضع لأنه أراد بوضعه عدم إرادة الغير لكن أي دليل يدل على أن هذه المخالفة توجب أن لا يكون الاستعمال حقيقة فتأمل لا يقال كيف يمكن دعوى عدم مدخلية الوحدة في الموضوع له و الحال أن اللفظ وضع لمعنى مفرد لأنا نقول الوحدة الإفرادية الملحوظة في مقابلة التثنية و الجمع غير الوحدة المبحوث عنها و الشاهد بذلك أن الأولى لا تزول بالاستعمال في جميع المعاني قطعا و الخصم معترف به لأنه جوز استعمال المفرد في معانيه مجازا بخلاف الثانية و يجاب بنحو هذا عن الوحدة المستفادة من التنكير فإذن القول بجواز الاستعمال حقيقة في جميع معانيه وجيه لكنه يحتاج إلى قرينة لما سنبيّنه في المقام الثالث و على هذا يكون النزاع في كونه حقيقة أو مجازا قليل الجدوى كما يظهر من الحاجبي و غيره بل لا فائدة فيه إلا أن يقال بظهورها فيما إذا دار تأويل الرواية بين حمل اللفظ المشترك على معانيه و بين التجوز في لفظ آخر أو التخصيص أو الإضمار فإنه على القول بكونه حقيقة يكون الأول أرجح لدوران الأمر بين الحقيقة و المجاز و قد يناقش حينئذ بالمنع من رجحان تقدم كل حقيقة حتى المفروض و أما الحجة الثانية فلأن قوله و الظاهر إلى آخره إن كان وجهه نص أهل اللغة فنمنعه كيف و قال الأسنوي و للنحويين في تثنية المشترك و جمعه مذهبان صحّح ابن مالك أنه يجوز و قال شيخنا أبو حيّان المشهور المنع و أيضا الرازي أجاب عن الحجة التي أشار إليها بأن التثنية و الجمع إنما يفيدان تعدد المعنى المستفاد من المفرد فإن أفاد المفرد التعدد أفاداه و إلا فلا و إن كان القياس على الأعلام فجوابه المنع من صحة القياس سلمنا و لكن نمنع من الحكم في المقيس عليه و دعوى كون التأويل بالمسمّى تعسفا لا يخلو عن إشكال إذ قال إذ قد يقال هو المفهوم عرفا المقام الثالث في أنه على تقدير جواز الاستعمال في جميع المعاني هل يحتاج في إرادتها إلى قرينة أو هي ظاهرة منه عند الإطلاق فيجب الحمل عليها مجردا عن القرينة اختلف فيه الأصوليين فصرّح جماعة كالفاضلين و الرازي و غيرهم بكون المشترك مجملا عند الإطلاق كما عن القاضي في أحد النقلين و هو واضح على القول بالمجازية و أما على القول بالحقيقة فلأن الغالب إرادة المعنى الواحد من المشترك فيلحق به موضع الشك و حيث لم يكن متعينا لصلاحية اللفظ لكل معنى فيجيء الإجمال و قد أشار إلى هذا بعض المحققين و حكي عن الشافعي و الغزالي في المستفصى و الإمام في البرهان و القاضي أن اللفظ ظاهر في الجميع عند الإطلاق لوجوه الأول أصالة وجوب حمل اللفظ على المعنى الحقيقي الثاني أنه لو لم يحمل على الجميع فإما أن لا يحمل على شيء أو يحمل على واحد معين أو على واحد غير معيّن و الثلاثة كلها باطلة فتعين الأول أما بطلان الأول فللزوم إلغاء اللفظ و خلوّه عن الفائدة و هو معلوم البطلان و أما بطلان الثاني فلأنه إن كان من جهة اللفظ فليس فيه ما يدل عليه و إن كان من جهة غيره فالمفروض عدمه و إن كان لا عن سبب فهو ترجيح بلا مرجح و هو باطل