في أحدهما معنى و في الأخرى آخر متغاير للأول و هذا لا نزاع في صحّته و كونه حقيقة كما في حواشي المحقق الشيرواني و الفاضل المازندراني و التفتازاني و الأبهري و الباغنوي و في شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبي القاسم الأصفهاني نفي الخلاف في صحّته و قد يقال علي القول بأنه ظاهر في الجميع كما اختاره الشافعي يلزم أن يكون مجازا لأن عنده أنه كاللفظ العام بل قيل إن العام عنده على قسمين متفق الحقيقة و مختلفها فكما أن استعمال العام في بعض معانيه مجاز فكذلك استعمال المشترك في أحد معانيه يلزم أن يكون مجازا لكن قد يقال إن مجرد الظهور في الجميع عند عدم القرينة على إرادة بعض المعاني لا يستلزم مجازية استعماله فيه عند قيامها و المراد بكونه كالعام كونه مثله في الحمل على الجميع عند التجرد عنها لا مطلقا و إلا لكان هو من الألفاظ الموضوعة للعموم كلفظ كل و هو فاسد بالبديهة الثاني أن يطلق مرة على أحد المعنيين لا على التعيين عند المتكلم بأن يريد به في إطلاق واحد هذا أو ذاك مثل قول القائل و ليكن ثوبك جونا أي إما أسود أو أبيض قال في شرح ح ليس في كلام القوم ما يشعر بإثبات ذلك أو نفيه إلا ما يشير إليه كلام المفتاح من أن ذلك حقيقة عند التجرد عن القرائن قلت لا يخفى فساده إذ من المعلوم أن الترديد ليس جزءا من مفهوم المشترك فاستعماله و إرادة ذلك منه من المجاز و الوضع للمعنيين لا يستلزم ما ذكره جدّا الثالث أن يطلق على القدر المشترك بين المعاني بأن يريد بالعين مثلا في قوله ائتني بعين ما يسمّى عينا قال الباغنوي و الشيرواني لا كلام في صحّته و في كونه مجازا و الفرق بين هذا و ما تقدمه جلَّي فإن الإطلاق في الأول على سبيل الترديد اللازم لإرادة خصوصية أحد الفردين من نفس اللفظ بخلاف هذا القسم فإن الإطلاق فيه لم يقتض ذلك لأن المفروض أن المراد به نفس القدر المشترك و هو شيء لا يصلح للترديد نعم هو من توابعه الرابع أن يطلق على مجموع المعنيين من حيث هو أي الماهية المنتزعة من اجتماعهما فيكون المجموع من حيث هو مناطا للحكم و متعلقا للإثبات و النفي لا كل واحد قال جدي المازندراني و الباغنوي لا نزاع في امتناع ذلك حقيقة و في جوازه مجازا إن وجدت علاقة مصححة له لكنها لم توجد الخامس أن يطلق و يريد به في هذا الإطلاق كل واحد من المعاني بالخصوص بأن يكون كل منهما مناطا للحكم و متعلقا للإثبات و النفي و الفرق بين هذا و الرابع هو الفرق بين الكل المجموعي و الكل الأفرادي فإن هذا من قبيل الثاني و الرابع من قبيل الأول و تقرير الفرق بينهما أن المتكلم يقصد في الثاني كل واحد واحد قصدا أوليا بأن يكون كل منهما مناطا للحكم و متعلقا للإثبات و النفي و في الأول إنما يقصد المجموع من حيث هو قصدا أوليا و قصد كل واحد فيه أنما هو قصد ثانوي و أيضا الأول يدل على كل واحد واحد بالدلالة التضمنية بخلاف الثاني فإنه يدل عليه بالدلالة المطابقية على ما قيل و فيه نظر فإذا تقرر هذا فاعلم أن محل النزاع في مسألتنا هذه هو الأخير كما صرّح به في منية اللبيب و نهاية السئول و شرح ح و شرحي العبري و الأصفهاني على المنهاج و حواشي الباغنوي و الأبهري و الفاضلين الشيرواني و جدي المازندراني و المحكي عن صاحب الحاصل و التحصيل و كثير من الأصوليين و يظهر من العضدي و ربما يظهر من بعض العبارات أن النزاع في الرابع و ليس بشيء و إذا عرفت هذا فاعلم أن تحقيق الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات المقام الأول في أنه يجوز استعماله في جميع معانيه حتى أنه لو وردت رواية و انحصر تأويلها في الحمل على جميع معانيه كان هو اللازم دون الطرح أولا فيجوز الطرح و لم يلتفت في هذا المقام إلى كونه حقيقة أو مجازا ذهب أكثر الأصوليين كالعلامة و صاحب المعالم و البيضاوي و العبري و صاحب جمع الجوامع كما عن السيّد و الفاضلين الباقلاني و عبد الجبار و الجبائي و الشافعي و الرازي إلى الأول و حكي عن أبي هاشم و أبي الحسين البصري و الكرخي و أبي عبد الله البصري و أبي حنيفة و الغزالي اختيار الثاني للأولين وجود المصحّح للاستعمال و هو إما الوضع كما يدعيه بعض آخر و قد يمنع من كونهما مصحّحين للاستعمال على الإطلاق لاحتمال اشتراط كون الأول مصححا بعدم إرادة غيره من الوضع الآخر و الثاني بعدم إرادة معنى مجازي آخر لا يقال الأصل عدم الاشتراط و لذا جوّز أكثر الأصوليين التعدي في المجاز من موضع نص أهل اللغة إلى غيره بالعلاقة لأنا نقول هذا حسن لو قام دليل على كونهما مصحّحين على الإطلاق و ادعى التخصيص من غير إبداء المخصّص لكن نمنع من دليل يقتضي ذلك إذ لا نص من أهل اللغة عموما أو خصوصا يدل على ذلك و الاستقراء في كلامهم لم يفده أيضا فإذن الأصل الاقتصار في نسبة المحاورة إلى اللغة العربية على القدر المتيقن و ليس منه محل البحث لمكان الخلاف و عدم الدليل على التجويز على أنا ندعي الدليل على عدم التجويز و هو عدم وجود لفظ مشترك في كلام العرب مستعمل في أكثر معنى في إطلاق واحد بطريق الكل المجموعي و الأفرادي لا مفرده و لا تثنيته و لا جمعه و لا مثبته و لا منفيه و يشهد به عدم نقل أكثر الأصوليين شاهدا على استعماله فيه من كلام العرب في مقابلة الخصوم الذين يدّعون المنع منه و ليس ذلك إلا لعدم وجوده في لغة العرب و إلا لما خفي عنهم و عدم