فإن قلت نلتزم بذلك لو لا الإجماع على كونه مجازا في الاستقبال و ثانيا بأن إجماع النحاة لا يكون حجة لأنهم يعدّون في المسألة فرقة من المخالفين و ليس اتفاق الفرقة على الفرقة التي تنازعها حجة و ثالثا بأن كون لفظ اسم الفاعل حقيقة في نحو الضارب المستعمل بمعنى الماضي لا يلزم أن يكون الضارب في هذا المعنى حقيقة و قد أشار إلى هذا التفتازاني فقال معترضا على الجملة فيه بحث لأن اسم الفاعل بحسب عرف النحو اسم لهذا النوع من الصيغة بأيّ معنى كان و يكفي لصحّة النقل كونه فاعلا في الجملة و رابعا بأنه أخصّ من المدعى فإن الكلام في جميع المشتقات و هذا يختصّ باسم الفاعل و قد يجاب عن الجميع أما عن الأول فبأن ظهور كلام النحاة مسلم لكن ادّعى جماعة الاتفاق على كونه مجازا في المستقبل و هو أظهر فيندفع به ذلك الظهور و أما عن الثاني فبأنه حجة عند الخصوم كما يظهر من كلمات المستدلين به و المجيبين عنه بعدم حجيّة بل بغيره على أنه نسب ذلك في الإحكام إلى أهل اللغة دون النحويين و أما عن الثالث فبأنه يستلزم ذلك إن كان باعتبار المعنى التركيبي نعم لا يستلزمه لو ادعى فيه صيرورته اسما لكل ما أطلق عليه نحو الضارب و لكن هذه الدعوى يستلزمه للنقل و الأصل عدمه و أما عن الرابع فبأن الظاهر أنه لا قائل بالفصل بين اسم الفاعل و غيره من المشتقات ثم إن هذه الحجة لو لم تنهض الحجية فلا أقلّ من صلاحيتها للتأييد السّابع أن المشتق لو كان حقيقة في الذات المتلبسة في المبدإ في الحال لكان إطلاق المؤمن على النائم و الغافل مجازا لعدم تلبسهما بالإيمان حالة النوم و الغفلة لأنه إما عبارة عن العمل الصّالح أو عن التصديق أو عنهما و على أي تقدير فهو ممتنع التحقق حالة النوم و الغفلة و التالي باطل للإجماع على أن المؤمن لا يخرج عن كونه مؤمنا بنومه و غفلته و يجري عليه أحكام المؤمنين و هو نائم و غافل و قد يقال عليه بالمنع من بطلان التالي و الإجماع على كون النائم و الغافل بحكم المؤمنين كما يحتمل باعتبار اندراجهما تحت الإطلاقات الواردة في بيان حكم المؤمنين كذا يحتمل باعتبار مشاركتهما للحكم و إن لم يشملهما تلك الإطلاقات كما في أطفال المؤمنين فإنهم بمنزلتهم لا أنهم مؤمنون حقيقة سلمنا لكن نمنع من امتناع تحقق الإيمان في الحالتين إن فسّر بالتصديق لبقائه في الخزانة و إن لم يكن حاصلا في المدركة سلمنا لكن الدليل أخصّ من المدّعى و دعوى الإجماع المركب غير مسموعة بل يظهر من التفتازاني أنه غير مرتبط بمحل النزاع حيث جعله اسم الفاعل بمعنى الحدوث فقال و التحقيق أن النزاع في حقيقة اسم الفاعل و هو الذي بمعنى الحدوث لا في مثل المؤمن و الكافر و النائم و اليقظان و الحلو و الحامض و العبد و الحر و نحو ذلك مما يعتبر في بعضه الاتصاف به مع عدم طريان المنافي و في بعض الاتصاف بالفعل البتة انتهى و قد يجاب عن الأول بأن دعوى المجازية خرافة باردة قال التفتازاني كون المؤمن للنائم و الغافل مجازا بعيد جدا و لا يبعد الإجماع على بطلانه و عن الثاني بأن الإيمان عبارة عن التصديق و هو يتوقف على تصور أطرافه و وقوع الإيقاع و الانتزاع على النسبة و هذا بعيد حصوله في الحالتين كما صرّح به المحقق الجواد فيما حكي عنه و عن الثالث بأن ما ذكره التفتازاني غير معلوم فإن كلمات القوم في المسألة مطلقة و الظاهر أنه لا قائل بالفصل من هذه الجهة و قد يناقش في الجواب بأن التصديق أنما يتوقف على ذلك في حصوله ابتداء لا في استدامته نعم لا يبعد دعوى إطلاقه حقيقة كإطلاق لفظ المسلمين على من خرج عنه الوصف كما إذا جنّ و طال جنونه بعد إيمانه و إسلامه و ليس ذلك إلا باعتبار الوضع للمعنى الأعم و احتمال صيرورة لفظ المؤمن حقيقة شرعية في المعنى الأعم من المتصف بالإيمان و غيره يدفعه أصالة عدم النقل فتأمل الثامن أنه لو كان المشتق موضوعا للذات المتلبسة بالمبدإ في الحال للزم أن لا يصدق المتكلم و المخبر حقيقة و اللازم باطل فالملزوم مثله بيان الملازمة أن المبدأ في المثالين مما لم يمكن وجوده و استقراره في آن لأن الكلام و الخبر اسم لمجموع الحروف المتوالية و هي مما لم يمكن اجتماعها في آن فإنها تنقضي شيئا فشيئا فقبل حصولها لم يتحقق المبدأ و بعده قد انقضى و أما بطلان اللازم فواضح قطعا لا يقال نلتزم هنا بعدم الوضع للحال و نقول بالتفصيل في المشتقات بين ما يمكن بقاؤه و بين ما لا يمكن لأنا نقول قد ادعى العلامة الإجماع على بطلانه فقال الفرق بين ممكن الثبوت و غيره منتف بالإجماع لا يقال الدعوى ممنوعة فإن هذا القول مشهور فقد حكاه جماعة كصاحب المحصول و الآمدي و الحاجبي على ما حكي لأنا نقول اشتهار حكاية هذا القول لا يدل على اشتهار أصله و مصير شاذ إليه لا يقدح في حجية الإجماع المنقول المعتضد بالشهرة العظيمة هذا و قال العلامة في ردّه مضافا إلى الإجماع و لأنه إذا صحّ في جميع الصّور و إلا لكان المتكلم قبل أن يتكلم عارفا بكون المشتق منه هل يصحّ بقاؤه أولا فإن كان يصحّ بقاؤه اشترط وجود المعنى بتمامه و من المعلوم عدم التفات الناس إلى ذلك من أهل اللغة و العرف و لا يقال لما تعذر اجتماع أجزاء الكلام و شبهه اكتفينا في الإطلاق الحقيقي بمقارنة لآخر جزء فمن قال قام زيد مثلا فإنما يصدق عليه أنه متكلم و مخبر حينئذ عند مقارنة الدال لا قبلها و لا بعدها لأنا نقول هذا باطل لأن المفروض أن المبدأ عبارة عن مجموع الأجزاء و أن لفظ المتكلم موضوع