الفرق بينها وبين المقام من ناحية أخرى ، وهي : أنها بتوسط الاستعمال توجد مسبباتها في عالم الاعتبار ، فوعاؤها هو عالم الاعتبار . وأما الحروف فهي موجدة لمعانيها غير الاستقلالية في وعاء الاستعمال ، على أن معاني صيغ العقود والإيقاعات مستقلة في موطنها دون معاني الحروف ، فالفرق إذا من جهتين : الأولى : أن المعاني الإنشائية مستقلة في أنفسها دون المعاني الحرفية . الثانية : أن معانيها موجودة في عالم الاعتبار فوعاؤها ذلك العالم ، دون المعاني الحرفية ، فإن وعاءها عالم الاستعمال . وإلى ما ذكرناه من : أن المعنى الحرفي إيجادي أشارت الرواية المنسوبة إلى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام ، وهي : " أن الحرف ما أوجد معنى في غيره " [1] . وقال ( قدس سره ) : إن هذا التعريف أجود تعريفات الباب من حيث اشتماله على أركان المعاني الحرفية كلها . وقد اتضح مما قدمناه : أن المعاني : إما إخطارية مستقلة بحد ذاتها في عالم مفهوميتها ، وإما إيجادية غير مستقلة كذلك في ذلك العالم ، فلا ثالث لهما . فالإخطارية تلازم الاستقلالية بالذات ، والإيجادية تلازم عدمها كذلك ، وعليه فحكمة الوضع دعت إلى وضع الأسماء للطائفة الأولى من المعاني ، ووضع الحروف والأدوات للطائفة الثانية منها لتكون رابطة بين الطائفة الأولى بعضها ببعض ، وبذلك يحصل الغرض من الوضع . ومن هنا أجاد أهل العربية عندما عبروا في مقام التفسير عن المفاهيم الحرفية بأن كلمة " في " للظرفية ، ولم يقولوا بأن في هي الظرفية كما هو ديدنهم في مقام التعبير عن المفاهيم الاسمية وإن تسامحوا من جهة عدم التصريح بالنسبة بأن يقولوا : كلمة " في " للنسبة . ثم قال ( قدس سره ) : يشبه المعاني الحرفية جميع ما يكون النظر فيه آليا : كتعظيم