جعل وجود اللفظ وجودا للمعنى في عالم الاعتبار ، واعتبره وجودا تنزيليا له في ذلك العالم دون عالم الخارج والعين : كالتنزيلات الشرعية أو العرفية ، مثل قوله ( عليه السلام ) : " الطواف بالبيت صلاة " [1] وقوله ( عليه السلام ) : " الفقاع خمر استصغره الناس " [2] ونحوهما . ومن ثمة يكون نظر المستعمل إلى اللفظ آليا في مرحلة الاستعمال ، والى المعنى استقلاليا ، بحيث لا يرى في تلك المرحلة إلا المعنى ولا ينظر إلا إليه . وإن شئت قلت : إن الوضع لأجل الاستعمال ومقدمة له ، فهم المستعمل في هذه المرحلة : إيجاد المعنى باللفظ وإلقائه إلى المخاطب ، فلا نظر ولا التفات له إلا إليه . ويرد عليه : أولا : أن تفسيرها بهذا المعنى تفسير بمعنى دقيق بعيد عن أذهان عامة الواضعين غاية البعد ، ولا سيما القاصرين منهم : كالأطفال والمجانين الذين قد يصدر الوضع منهم عند الحاجة ، بل قد يصدر الوضع من بعض الحيوانات أيضا . وكيف كان ، فحقيقة الوضع حقيقة عرفية سهلة التناول والمأخذ ، فلا تكون بهذه الدقة التي تغفل عنها أذهان الخاصة ، فضلا عن العامة . وثانيا : أن الغرض الداعي إلى الوضع : هو استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له ، لكي يدل عليه ويفهم منه معناه . فالوضع مقدمة للاستعمال والدلالة . ومن الواضح أن الدلالة اللفظية إنما تكون بين شيئين : أحدهما دال ، والآخر مدلول ، فاعتبار الوحدة بينهما بأن يكون وجود اللفظ وجودا للمعنى أيضا لغو وعبث . وأما ما ذكره أخيرا ففيه : أن لحاظ اللفظ آلة في مقام الاستعمال ، لا يستلزم أن يكون ملحوظا كذلك في مقام الوضع للفرق بين المقامين . وبكلمة واضحة : أن حال واضع اللفظ كحال صانع المرآة ، ومستعمله كمستعملها ، فكما أن صانع المرآة في مقام صنعها يلاحظها استقلالا من حيث
[1] مستدرك الوسائل : ج 9 ص 410 ب 38 من أبواب الطواف ح 2 ( ط آل البيت ) . [2] الوسائل : ج 17 ص 292 ب 28 من أبواب الأطعمة والأشربة ح 1 .