على نحو يكون القيد خارجا عنه والتقيد به داخلا فهو وإن كان أمرا ممكنا في نفسه إلا أنه غير واقع ، وذلك لأن دلالة الأفعال عليه لا بد أن تستند إلى أحد أمرين : إما إلى وضع المادة ، أو إلى وضع الهيئة . ومن الواضح أن المادة وضعت للدلالة على نفس طبيعي الحدث اللابشرط ، والهيئة وضعت للدلالة على تلبس الذات به بنحو من أنحائه كما عرفت ، وشئ منهما لا يدل عليه . ومما يدلنا على ذلك : ما نرى من صحة إسناد الأفعال إلى نفس الزمان ، والى ما فوقه من المجردات الخالية عن الزمان ، والخارجة عن دائرته من دون لحاظ عناية في البين ، فلا فرق بين قولنا : " علم الله " و " علم زيد " و " أراد الله " و " أراد زيد " و " مضى الزمان " و " مضى الأمر الفلاني " ، فالفعل في جميع هذه الأمثلة استعمل في معنى واحد وعلى نسق فارد . فلو كان الزمان مأخوذا فيه قيدا لم يصح إسناده إلى نفس الزمان بلا لحاظ تجريد ، فإن الزمان لا يقع في الزمان ، وإلا لدار أو تسلسل . وكذا لم يصح إسناده إلى ما فوق الزمان من المجردات ، إذ أفعالها لا تقع في الزمان ، لأنها غير محدودة بحد ، وما كان في الزمان محدود بحد لا محالة ، وبهذا يستكشف كشفا قطعيا عن أن الزمان غير مأخوذ في الفعل لا جزءا ولا قيدا . نعم ، الفعل المسند إلى الزماني وإن كان يدل على وقوع الحدث في أحد الأزمنة الثلاثة إلا أنه ليس من جهة الوضع ، بل من جهة أن الأمر الزماني لا بد وأن يقع في أحد الأزمنة . فتحصل : أن الأفعال لا تدل على الزمان ، وأن استعمالها في جميع الموارد على نحو الحقيقة ، ولا فرق بين استعمالها في الزمان وما فوقه واستعمالها في الزماني ، فالإسناد في الجمع إسناد حقيقي . ولكن مع هذا كله يمتاز الفعل الماضي عن المضارع بخصوصية ثابتة في كل واحد منهما ، ولأجل تلك الخصوصية لا يصح استعمال أحدهما في موضع الآخر ، ويكون الاستعمال غلطا واضحا .