مراد لا محالة ، بداهة لزوم سبق الإرادة على الفعل الاختياري في تمام الموارد . فهذه الدلالة من دلالة المعلول على علته ، وهي أجنبية عن دلالة الألفاظ على معانيها بالكلية . ومن هنا قد أجاب شيخنا المحقق ( قدس سره ) عن الإشكال بجواب آخر ، وإليك نصه : التحقيق : أن المفهومين المتضايفين ليسا متقابلين مطلقا ، بل التقابل في قسم خاص من التضايف ، وهو ما إذا كان بين المتضايفين تعاند وتناف في الوجود : كالعلية والمعلولية ، والأبوة والبنوة مما قضى البرهان بامتناع اجتماعهما في وجود واحد ، لا في مثل : العالمية والمعلومية والمحبية والمحبوبية ، فإنهما يجتمعان في الواحد غير ذي الجهات كما لا يخفى . والحاكي والمحكي والدال والمدلول كاد أن يكون من قبيل القسم الثاني ، حيث لا برهان على امتناح حكاية الشئ عن نفسه كما قال ( عليه السلام ) : " يا من دل على ذاته بذاته " [1] ، وقال ( عليه السلام ) : " وأنت دللتني عليك [2] " [3] . ولكن لا يمكن المساعدة عليه أيضا ، وذلك لأن ما أفاده ( قدس سره ) : من أن التقابل في قسم خاص من التضايف لا في مطلق المتضايفين وإن كان صحيحا إلا أنه أجنبي عن محل كلامنا هنا بالكلية ، فإنه في دلالة اللفظ على المعنى ، وهي قسم خاص من الدلالة التي لا يمكن أن تجتمع في شئ واحد ، لما بيناه : من أن حقيقة تلك الدلالة : عبارة عن وجود اللفظ وحضوره في ذهن المخاطب أولا ، وحضور المعنى ووجوده فيه بتبعه ثانيا ، فكل مخاطب بل كل سامع عند سماع اللفظ ينتقل إلى اللفظ أولا ، والى المعنى ثانيا ، فحضور اللفظ علة لحضور المعنى . ومن البين
[1] حاشية زاد المعاد للمجلسي : ص 166 ، من دعاء أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، المشهور ب " دعاء الصباح " . [2] بحار الأنوار : ج 98 ص 82 ، والإقبال : ص 67 ، من دعاء الإمام السجاد ( عليه السلام ) ، المشهور ب " دعاء أبي حمزة الثمالي " . [3] نهاية الدراية : ج 1 ص 31 .