وذهب جماعة من المحققين إلى الثاني ، أي إلى انحصار الدلالة الوضعية بالدلالة التصديقية [1] . التحقيق حسب ما يقتضيه نظر الدقيق هو القول الثاني ، والوجه فيه : أما بناء على ما سلكناه [2] في باب الوضع : من أنه عبارة عن التعهد والالتزام فواضح ، ضرورة أنه لا معنى للالتزام بكون اللفظ دالا على معناه ولو صدر عن لافظ بلا شعور واختيار ، بل ولو صدر عن اصطكاك حجر بآخر وهكذا . . . ، فإن هذا غير اختياري فلا يعقل أن يكون طرفا للتعهد والالتزام . وعليه فلا مناص من الالتزام بتخصيص العلقة الوضعية بصورة قصد تفهيم المعنى من اللفظ وإرادته ، سواء أكانت الإرادة تفهيمية محضة أم جدية أيضا ، فإنه أمر اختياري فيكون متعلقا للالتزام والتعهد . وعلى الجملة : قد ذكرنا [3] سابقا : أن اختصاص الدلالة الوضعية بالدلالة التصديقية لازم حتمي للقول بكون الوضع بمعنى التعهد والالتزام . وأما الدلالة التصورية - وهي : الانتقال إلى المعنى من سماع اللفظ - فهي غير مستندة إلى الوضع ، بل هي من جهة الانس الحاصل من كثرة الاستعمال ، أو من أمر آخر ، ومن ثمة كانت هذه الدلالة موجودة حتى مع تصريح الواضع باختصاص العلقة الوضعية بما ذكرناه . بل إن الأمر كذلك حتى على ما سلكه القوم في مسألة الوضع من أنه أمر اعتباري ، فإن الأمر الاعتباري يتبع الغرض الداعي إليه في السعة والضيق ، فالزائد على ذلك لغو محض . ولما كان الغرض الباعث للواضع على الوضع قصد تفهيم المعنى من اللفظ
[1] منهم المحقق الحائري اليزدي في الدرر : ج 1 ص 42 طبع جديد . [2] تقدم في ص 52 فراجع . [3] تقدم في ص 52 فراجع .