فالمجتهد بإمكانه أن يفتي بالحكم الواقعي الشّامل للعامي ، لأنّه عالم به - ولو تعبّدا - ولا يفتي بالحكم الظَّاهريّ كي يقال : إنّه مختصّ بالمجتهد فلا يكون التّقليد فيه مصداقا للرّجوع إلى أهل الخبرة . ولكن الملحوظ في ذلك : أوّلا : أنّ هذا لو تمّ ، فهو يختصّ بمورد الأمارات الحاكية عن الواقع ، دون مورد الأصول العمليّة التي ليس مفادها حكما واقعيّا ، كي يتمّ فيه القول بأنّ مفاد دليل حجّيّتها هو العلم التعبّدي بالواقع وطريقيّتها إلى الواقع ، فلا يمكن للمجتهد أن يفتي في موردها بالحكم الواقعي لعدم علمه به ، ولا بالحكم الظاهري لاختصاصه بالمجتهد حسب الفرض . وثانيا : أنّ هذا لو تمّ في الأمارات ، فإنّما يتمّ على مبنى واحد ، وهو مبنى جعل الطَّريقيّة - كما ذهب إليه المحقّق النائيني « رحمه اللَّه » ولا يتمّ على سائر المباني ، كجعل الحكم المماثل وغيره ، فعلى سائر المباني - غير جعل الطريقيّة - لا يمكن للمجتهد الإفتاء بالحكم الواقعي لعدم علمه به ، ولا بالحكم المماثل أو غيره من الأحكام الظَّاهريّة لأنّها تختصّ بالمجتهد . وثالثا : أنّ هذا لا يتمّ حتى في الأمارات على مبنى جعل الطَّريقيّة والعلم تعبدا واعتبارا ، وذلك لأنّ موضوع الرّجوع إلى أهل الخبرة ليس مجرّد كون من يرجع إليه عالما ، ولذا أفتوا بعدم جواز التّقليد ممّن حصل له العلم بالحكم عن طريق الرّمل والأسطرلاب والنّوم ، ونحو ذلك ، بل الموضوع هو خبرويّته ، بأن يكون عالما عن خبرة ، والعلم الاعتباري والجعليّ لا يحقّق خبروية بالنّسبة للإنسان ، فلنفرض أنّ دليل جعله عالما أصبح حاكما على أدلَّة حرمة الإفتاء بغير علم ، لأنّه أخرجه بالتّعبّد عن موضوع الحرمة - وهو عدم العلم - ولكنّ هذا غير كاف لحلّ مشكلة التّقليد الَّذي هو عبارة عن الرّجوع إلى أهل الخبرة ، ودليل اعتباره عالما إنّما دلّ على علمه