قلت : مقتضى القاعدة على ما ذكرنا [1] حتى في الإشباع ، إلَّا أنّه خرج بالخصوص للإجماع على الضمان فيه . نعم لو ثبت في أمثال ما نحن فيه بقاعدة الإحسان [2] ، فلا سبيل إلى نفي الضمان ، كما في ما يصرف لإنقاذ الغريق ، وما يعلفه لمواشي الغير ، ولو عند الاضطرار ، فإنّه يرجع إليه لو لم يقصد التبرّع .
[1] من عدم وجوب الضمان والرجوع . [2] وهذه القاعدة من الأصول الثابتة في الشريعة والممهدة لرفع العقاب والعتاب عن كلّ محسن ، وهي مستنبطة من قوله تعالى : ما على المحسنين من سبيل . التوبة : 91 وقد استدلّ بها الفقهاء في مختلف أبواب الفقه ، منها باب الوكالة ، في مسألة اختلاف الوكيل والموكل في الرد ، قيل : يحلف الوكيل إذا لم تكن الوكالة بجعل معللا بأنّ الوكيل أمين ، وقد قبض المال لمصلحة المالك فكان محسنا محضا كالودعي ، وقد أشكل عليه الشهيد الثاني بأنّ اليمين سبيل . ( الروضة البهية 4 : 386 387 ) وفي باب اللقطة استحسن الشهيد الثاني القول بجواز أخذ الضالة مطلقا بنيّة الحفظ للمالك لما فيه من الإعانة والإحسان . ( الروضة البهية 7 : 88 ) وقد أشار إليها الشيخ الأعظم باعتبارها من الأدلة العامة وذلك في الرسائل 2 : 535 . وفي مسألة المقبوض بالعقد الفاسد قال المحقّق الأصفهاني : فإنّ إمساك ماله لحفظه إلى أن يطلبه صاحبه إحسان إليه ، وما على المحسنين من سبيل ( حاشية المكاسب 1 : 86 ) وغير ذلك من الموارد الكثيرة التي استدل لها فقهاؤنا بالقاعدة . وأمّا فقهاء العامة فقد قال أبو بكر ابن العربي ( 468 543 ) في كتابه أحكام القرآن 2 : 995 قال : علماؤنا في الَّذي يقتص من قاطع يده فيفضي ذلك بالسراية إلى إتلاف نفسه ، فقال أبو حنيفة : يلزمه الدية . وقال مالك والشافعي : لا دية عليه ، لأنّه محسن في اقتصاصه من المتعدي عليه ، فلا سبيل إليه . . . وفي نهاية كلامه حول القاعدة قال : وقد قررنا هذا الأصل في كتب الأصول .