نفسه لما رآه بعين النقص ، ولقد كان زيته في مشكاة قلبه يكاد يضئ ولو لم تمسسه نار لقوة استعداد كبريائيته في مادته ، فلما نفخ فيه العلم بحدته اشتغل زيته فأصبح نورا على نور فقال له العلم : اغتنم الفرصة وافتح بصرك فلعلك تجد على هذه النار هدى . ففتح بصره فرأى القلم الإلهي كما سمع نعته من العلم أنه ليس من قصب ولا خشب ولا له رأس وذنب ، وهو يكتب على الدوام في صحائف قلوب الأنام أصناف العلوم والحقائق ، وكان له في كل قلب رأس ولا رأس له ، فقضى منه العجب فودع عند هذا العلم وشكره وقال : لقد طال مقامي عندك وأنا عازم على السفر إلى حضرة القلم . فلما جاءه وقص عليه القصص وسأله ما بالك تخط على الدوام في القلوب من العلوم ما تبعث به الإرادات إلى أشخاص القدرة وصرفها إلى المقدورات ؟ فقال : لقد نسيت ما رأيت في عالم الملك وسمعته من جواب القلم عن سؤالك . قال : لم أنس . فقال : جوابي مثل جوابه لتطابق عالمي الملك والملكوت ، أما سمعت أن الله تعال خلق آدم على صورته ، فاسأل عن شأني المقلب ب " يمين الملك " فاني مقهور في قبضته مسخر ، فلا فرق بين قلم الآدمي والخلق الإلهي في معنى التسخير انما الفرق في ظاهر الصورة والتصوير . قال : ومن يمين الملك ؟ قال : أما سمعت قوله تعالى " والسماوات مطويات بيمينه " ، هو الذي يرددها . فسأل اليمين عن شأنه وتحريكه للقلم ، فقال : جوابي ما سمعت من اليمين الذي في عالم الشهادة وهو الحوالة إلى القدرة ، فلما سار إلى عالم القدرة فرأى فيه من العجائب ما استحقر غيرها ، فأقبل عند ذلك عليها فسألها عن تحريك اليمين فقالت : أنا صفة فاسأل القادر إذ العهدة على الموصوفات لا على الصفات . وعند هذا كاد أن يزيغ وينطق بالجرأة على السؤال ، فثبت بالقول الثابت ونودي من سرادقات الحضرة : لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . فغشيه الحضرة فخر صعقا ، فلما أفاق قال : سبحانك ما أعظم شأنك تبت إليك وتوكلت عليك وآمنت بأنك الملك الجبار الواحد القهار ، فلا أخاف غيرك ولا أرجو سواك ولا أعوذ الا بعفوك من عقابك وبرضاك من سخطك وبك منك ؟ فأقول : اشرح لي صدري لأعرفك ، واحلل عقدة