للانقسام والتجزي كما نجد البدن وأجزاءه وخواصه . فليست تلك الحقيقة هو البدن ولا شيئا من أجزائه ، ولا خاصة من خواصه . وأنكر الماديون وجود هذه الحقيقة ، وقالوا : ان الآنية التي تشاهد ليست الا سلسلة الأعصاب التي تؤدى الادراكات إلى العضو المركزي ، وهو الجزء الدماغي على التوالي وفي نهاية السرعة ، غاية الامر على صفة الوحدة . ففي ذلك الجزء الدماغي مجموعة متحدة ذات وضع واحد لا يتميز أجزاؤها ولا يدرك بطلان بعضها وقيام الاخر مقامه ، وهذا الواحد المتحصل هو نفسنا التي نشاهدها ونحكي عنها ب " أنا " ، فالذي نرى أنه ثابت فهو في الحقيقة مشتبه على المشاهدة من جهة توالى الواردات الادراكية وسرعة ورودها . وذكر بعضهم في تنظيره بقوله : كالحوض الذي يرد عليه الماء من جانب ويخرج من جانب بما يساويه وهو مملوء دائما ، فما فيه من الماء يجده الحس واحدا ثابتا وهو بحسب الواقع لا واحد ولا ثابت ، وكذا يجد صورة الانسان أو الشجر أو غير هما فيه واحدا ثابتا وليس بواحد ثابت بل هو كثير متغير تدريجا بالجريان التدريجي الذي لاجزاء الماء فيه . وعلى هذا النحو وجود الثبات والواحدة والشخصية التي نرى في النفس ، والذي نرى أنه غير جميع أجزائنا صحيح لكنه لا يثبت أنه غير البدن وغير خواصه ، بل هو مجموعة متحدة من جهة التوالي والتوارد لا تغفل عنه ، فان لازم الغفلة وقوف الأعصاب عن أفعالها ، وهو الموت . وأيضا قالوا : ان كل خاصة من الخواص البدنية وجدنا علتها المادية ولم نجد أثرا روحيا لا يقبل الانطباق على قوانين المادة حتى نحكم بوجود حقيقة الآنية . وقال المتأخرون منهم : ان المتحصل من التشريح والفزيولوجيا ان الخواص الروحية الحيوية تستند إلى جراثيم الحياة والسلولات التي هي الأصول في حياة الانسان ، فالنفس أثر مخصوص لكل واحد منها أرواح متعددة ، فالآنية المشهودة للانسان على صفة الوحدة مجموعة متكونة من أرواح غير محصورة على صفة الاجتماع ، ولذا هذه الخواص الروحية تبطل بموت السلولات وتفسد بفسادها ، فلا معنى للروح المجردة الباقية بعد فناء التركيب البدني .