فإذا شرب سما ومات أو قتله انسان فنقص من ذلك أو استعمل دواءا قوى مزاجه فزاد عليه لم يخالف قول الطبيب . والتغيير الواقع في هذا اللوح مسمى بالبداء اما لأنه مشبه به كما في سائر ما يطلق عليه تعالى من الأنباء والاستهزاء والسخرية وأمثالها ، أو لأنه يظهر للملائكة أو للحق إذا أخبر بالأول ما اعلموا أولا - انتهى . تنبيهات وتمام الكلام في المقام بالتنبيه على أمور : الأول أن ما ذكرناه في معنى البداء المستفاد من الاخبار ، هو الظاهر من الآية الكريمة المتقدمة " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " ، لان محو الشئ هو اذهاب رسمه وأثره ، وقد قوبل في الآية الشريفة بالاثبات وهو اقرار الشئ في مستقره بحيث لا يضطرب ، فالمحو هو إزالة الشئ بعد ثبوته برسمه . وحيث أنه ذكر الآية بعد قوله تعالى " لكل أجل كتاب " وذكر في ذيلها " وعنده أم الكتاب " ، فالظاهر منها أن لكل وقت كتابا يخصه ، فتختلف الكتب باختلاف الأوقات . وان هذا الاختلاف ظهر من ناحية اختلاف التصرف الإلهي بمشيئته حسب ما تقتضيه المصالح لامن جهة اختلافها في أنفسها ، ومع ذلك فعند الله أم الكتاب أي الأصل الذي ينشأ منه الشئ ويرجع إليه هذه الكتب التي تمحى وتثبت بحسب الأوقات . وبعبارة أوضح : ان الله سبحانه في كل وقت كتابا وقضاءا ، وانه يمحو ما يشاء من تلك الأقضية ويثبت ما يشاء ، ومع ذلك عنده بالنسبة إلى كل وقت قضاء محتوم لا يتغير ، وهو الأصل الذي يرجع إليه سائر الأقضية . وبهذا البيان يظهر أن ما قيل في تفسير الآية الشريفة من الوجوه و الأقوال كلها في غير محلها ، ولتمام الكلام محل آخر . الثاني ان البداء بالمعنى الذي يقول به الإمامية هو الابداء والاظهار حقيقة ، واطلاق لفظ " البداء " عليه مبنى على التنزيل والمشاكلة .