وثانيا : أن الدلالة اللفظية والعلقة اللغوية بموجب هذا المسلك تتضمن استدلالا منطقيا وإدراكا للملازمة وانتقالا من أحد طرفيها إلى الآخر ، مع أن وجودها في حياة الانسان يبدأ منذ الأدوار الأولى لطفولته وقبل أن ينضح أي فكر استدلالي له ، وهذا يبرهن على إنها أبسط من ذلك . والتحقيق أن الوضع يقوم على أساس قانون تكويني للذهن البشري ، وهو : أنه كلما ارتبط شيئان في تصور الانسان ارتباطا مؤكدا أصبح بعد ذلك تصور أحدهما مستدعيا لتصور الآخر . وهذا الربط بين تصورين تارة يحصل بصورة عفوية ، كالربط بين سماع الزئير وتصور الأسد الذي حصل نتيجة التقارن الطبيعي المتكرر بين سماع الزئير ورؤية الأسد ، وأخرى يحصل بالعناية التي يقوم بها الواضع ، إذ يربط بين اللفظ وتصور معنى مخصوص في ذهن الناس فينتقلون من سماع اللفظ إلى تصور المعنى ، والاعتبار الذي تحدثنا عنه في الاحتمال الثاني ، ليس إلا طريقة يستعملها الواضع في ايجاد ذلك الربط والقرن المخصوص بين اللفظ وصورة المعنى . فمسلك الاعتبار هو الصحيح ، ولكن بهذا المعنى وبذلك صح أن يقال إن الوضع قرن مخصوص بين تصور اللفظ وتصور المعنى بنحو أكيد لكي يستتبع حالة إثارة أحدهما للآخر في الذهن . ومن هنا نعرف أن الوضع ليس سببا إلا للدلالة التصورية ، وأما الدلالتان التصديقيتان الأولى والثانية ، فمنشأهما الظهور الحالي والسياقي للكلام لا الوضع . الوضع التعييني والتعيني : وقد قسم الوضع من ناحية سببه إلى تعييني وتعيني ، فقيل إن العلاقة بين اللفظ والمعنى أن نشأت من جعل خاص فالوضع تعييني ، وإن نشأت من كثرة