ومن الواضح أنّه لا يحصل للّفظ بوضع الواضع صفة حقيقيّة خارجيّة له ، نظير عروض اللون للجسم ، كما تقدّم ، كما أنّه لا يكون أمراً متقوّماً باعتبار المُعتبر وجوداً وعدماً ; أي لا يكون الوضع أمراً ذهنيّاً قائماً باعتبار المُعتبر فقط ; بداهة أنّه يلزم على هذا أن تنعدم صفه اللّفظ في صورة غفلة الواضع عن الاعتبار ، وفي صورة موته ، والوجدان بخلافه ، بل العقلاء يرون في صورة غفلة الواضع أو موته أنّ اللّفظ لفظ المعنى ، والمعنى معنى اللّفظ ، فكأنّهم يرون أنّه صفة خارجيّة له ، ولكن لا كعروض اللون على الجسم ، بل بنحو آخر ; لأنّ بالوضع تحصل حالة اعتباريّة للّفظ ، والأمر الاعتباري أمر متوسّط بين اللحاظ الذهنيّ الصِّرف والصفة الخارجيّة . وذلك لأنّ العقلاء يعتبرون أُموراً دارجة بينهم - من غير فرق بين كونهم منتحلين لنحلة أو شريعة ، أو لا - كالملكيّة ، والزوجيّة ، والولاية ، والحكومة ، والاعتبارات الدارجة بين أفراد الجيش ; من كون بعضهم جنديّاً ، والآخر ضابطاً ، وثالث قائداً . . . إلى غير ذلك ، ويرون تلك الأُمور أُموراً متحقّقة في الخارج ، ولكن في عالم الاعتبار ، ومعنى وجود الشيء اعتباراً أنّه قائم بيدِ مَن بيده الاعتبار ، ويكون زمام أمره بيده ، مثلاً : إذا جعل الشارعُ الفقيهَ الجامع للشرائط والياً وحاكماً ، ترى الأُمّةُ الإسلاميّة أنّه له الحكومة والولاية على الناس من قِبَل الشارع ، وترى الولاية والحكومة أمراً ثابتاً له في الخارج والفقيه حاكماً ، لا بمعنى أنّ الحكومة أمر واقع في الخارج ، واتّصف الفقيه بها واقعاً ، بل اتّصف بالحكومة ، والحكومة أمر جعليّ اعتباريّ له ، ومعنى اعتباريّتها أنّها بيد الشارع ، فمتى اعتبرها تكن باقية ، ومتى لم يعتبرها تكن زائلة . فظهر ممّا ذكرناه : أنّ لدينا أُموراً ثلاثة : أحدها : ما يكون له تحقّق ووجود في الخارج حقيقة وواقعاً ، كالأعيان الموجودة في الخارج .