استعماله في معنىً في بعض الموارد ، كالخُطب والأشعار ونحوهما ، وبعضاً آخر لا يختصّ بمورد دون مورد ، بل يستعمل في جميع الموارد حتّى في المكالمات المتعارفة وإلقاء المطالب العاديّة ، فإذا اطّرد استعمال لفظ في معنىً عند أهل المحاورة في جميع الموارد ، يُستكشف أنّ معناه معنىً حقيقيّ ، بخلاف ما إذا لم يطّرد ، بل اختصّ ببعض الموارد ، فإنّه يكشف عن أنّ معناه مجازيّ ( 1 ) . وفيه : أنّه إن أراد بذلك أنّ اطّراد استعمال لفظ في معنىً عند أهل العرف ، يوجب العلم بالمعنى الحقيقي ، فهو رجم بالغيب ، فإنّه قد لا يحصل العلم منه لبعض الأشخاص . وإن أراد أنّ الاطّراد كذلك أمارة عقلية لكشف المعنى ، فلم يكن لنا طريق لإثباته ، ومجرّد الظنّ بكونه معناه الحقيقي لا يفيد ; لأنّ المقام مقام تشخيص الظاهر ، والظنّ لا يكون حجّة في تشخيصه ، كما قرّر في محلّه . مضافاً إلى أنّه كما لا تطّرد الاستعمالات المجازيّة - كما اعترف به ( قدس سره ) - فكذلك ربّما لا يطّرد استعمال اللّفظ في معناه الحقيقي ; وذلك لأنّه قد يستهجن إلقاء المعاني الحقيقيّة . مثلاً : إذا أردت تشجيع زيد الشجاع للحرب مع الأعداء وتهييجه للمقاتلة معهم ، لا يحسن ولا يلائم أن تقول : « يا زيد فرّق بين الأعداء وقاتلهم » ; بل الحسن والملائم أن تقول : « يا أسد الهيجاء أو يا أسد الأُسود فرّق الأعداء » ونحوها . فتحصّل من جميع ما ذكرنا في هذا الأمر : أنّ العلامة الوحيدة - لتشخيص المعاني الحقيقيّة وتمييزها عن المعاني المجازيّة - هو التبادر ، وغير هذه العلامة إمّا لا تتم ، أو ترجع إليها ، فتدبّر .
1 - نهاية الأفكار 1 : 68 . والمحقّق العراقي لم يتعرض لذلك بهذا التفصيل بل ذكره بصورة مقتضبة جداً .