ثمّ إنّه وقع الخلاف في أنّ استعمال اللّفظ في غير ما وضع له ، هل هو بالوضع ولو نوعاً ، أو بالطبع ؟ على وجهين ، بل قولين : ذهب المحقّق الخراساني ( قدس سره ) : إلى أنّه بالطبع بشهادة الوجدان بحسن الاستعمال فيما يناسب ما وضع له وإن فرض منع الواضع عنه ، وباستهجان الاستعمال فيما لا يناسب معناه الموضوع له ولو فرض ترخيصه في ذلك ، ولا معنى لصحّته إلاّ حسنه ، فلو كانت صحّة الاستعمال المجازي منوطة بالوضع ، لم يكن وجه لاستهجان الاستعمال فيما لا يناسب المعنى الموضوع له مع فرض ترخيص الواضع له ( 1 ) . ولكن أشكل عليه المحقّق العراقي ( قدس سره ) : بأنّه لا يجوز ذلك ، بل لابدّ من إحراز ترخيص أهل اللسان - في التصرّف في لغتهم - لمن أراد الجري على طريقتهم في المحاورات ، وإلاّ يكون الكلام خارجاً عن طريقتهم ، نظير خروج كلام من يخالف طريقة العرب ; من حيث قواعد النحو والصرف عن طريقة أهل اللسان العربي وخروج كلامه عن اللغة العربية . فإذاً يكون استعمال اللّفظ فيما يناسب معناه الحقيقي - الذي لم يسلكه أهل اللسان - مخالفاً لهم في طريق المحاورة ، ويكون كلامه المتجوّز فيه غير عربيّ ( 2 ) . وفيه : أنّه - كما سيظهر لك جليّاً إن شاء الله - أنّ المختار عندنا في الاستعمالات المجازيّة عندهم : أنّ الألفاظ فيها مستعملة في المعاني الموضوعة لها . ولكن لو تنزّلنا عمّا هو المختار ، ودار الأمر بين نظريّة العَلَمين ، فالحقّ مع المحقّق الخراساني ( قدس سره ) ، القائل بجواز استعمال اللّفظ فيما يناسب ما وضع له اللّفظ ; لأنّ الوجدان أصدق شاهد على جواز ذلك ، ولا يرون أنّ استعمال اللّفظ فيما يناسب ما وضع له استعمالاً له على خلاف طريقتهم ، وإلاّ لما صحّ من العرب المعاصرين استعمال اللّفظ في