الأحكام عليها ، التي هي الغاية القصوى من علم أصول الفقه ، ثم حذف الزوائد والمطالب غير النافعة حول المسائل المطروحة . وأرى وأعتقد أنّ التوغّل في المسائل الأصولية ، ربّما يُوجب انحراف الذهن عن الاستقامة المطلوبة في فهم الكتاب والسنّة ; كما أنّ التوغّل في العلوم العقلية وإعمالها في القواعد الأصولية ربّما لا يسلم عن اعوجاج السليقة في معرفة الكتاب والسنّة كما لا يخفى ، وقد شاهدنا من مشايخ العصر ومن قارب عصرنا بل من كانوا في الأعصار المتقدّمة أيضاً ما يُؤيّد المقال . نعم كان من الجهابذة وأساطين الفن مَن لم يطرحوا تلك المسائل غير النافعة بل غير الدخيلة في استنباط الأحكام ، ولم يتعرّضوا للمباحث غير الدخيلة حول الموضوعات المعنونة ، بل اقتصروا على طرح مهامّ المسائل المُبتلى بها ، وترك غير المهم وغير النافع منها فاعتنوا بذكر لُباب ما قيل في تلك المسائل ، ورفض كلّ ما قيل فيها والحواشي والفضول فشكر الله مساعيهم الجميلة . فاذاً من الحري جدّاً أن يكون نظر الباحث والمتدرّب في مسائل علم الأُصولية نظراً آليّاً تبعيّاً لا استقلاليّاً أصليّاً ، فيقتصر فيه على البحث والتنقيب عن مسائل ما يحتاج إليها في معرفة الأحكام الشرعيّة ، ويصرف تمام همّه وحده ويشمّر ذيله إلى ذي الآلة والغاية القصوى - وهو علم الفقه - الذي كما أشرنا انّه قانون المعاش والمعاد ، ونظام الأمّة الاسلامية المحتاج إليه في العمل ليلا ونهاراً ، ويوجب معرفته والعمل به الوصول إلى قرب من الحق تعالى والفوز بالجنّة . وإيّاك أن تتوهم أن علم أصول الفقه علم شريف في نفسه ، وتحصيله كمال للنفس والعاقلة ، وصرف العمر في مسائله ومباحثه - عدم المحتاج إليها - كمال للنفس ويوجب تشحيذ الذهن وأنسه بدقائق الفن وهو كمال للعاقلة ، لأنّه موجب لصرف العمر في غير ما هو المهم ، بل كما أشرنا أنّه ربّما يوجب الغور في دقائق مسائله غير