من أيّ أنواع العرض أمر آخر غير مهمّ في المقام ( 1 ) . وفيه مواقع للنظر : وقبل التعرّض لها ينبغي الإشارة إلى الفرق بين الوجود الرابطي والوجود الرابط ، وهو أنّ العَرَض النسبي : عبارة عن الوجود الرابطي ، الذي يقال له أحياناً الوجود المحمولي ( 2 ) ، واصطُلح « الوجود الرابطي » لما يقع طرف الربط ( 3 ) ، مثلاً : البياض وجود رابطيّ محموليّ ، وما يربط البياض إلى زيد - مثلاً - وجود رابط . وبالجملة : فرق بين الوجود الرابط وبين الوجود الرابطي ، فإنّ الأوّل نفس الربط ، والثاني له استقلال في المفهوميّة يقع طرفاً للربط ، ويقال : « اللون بياض » . إذا تمهّد لك ما ذكرنا ، يتوجّه على ما أتعب فيه نفسه ( قدس سره ) : أولاً : بأنّ لفظة « من » تدلّ على الوجود الرابط ، لا على الوجود الرابطي ; لأنّه لو دلّت على العرض النسبي والوجود الرابطي ، فلابدّ وأن يكون معناها مستقلاً بالمفهوميّة وتصحّ أن تقع محمولاً ، مع أنّ الوجدان حاكم بخلافه ، فإنّه يحكم بأنّ لفظة « من » لها وجود رابط ، تربط بين الأشياء ، لا وجود رابطيّ ، فتدبّر . وثانياً : أنّ « زيداً في الدار » - مثلاً - لا يدلّ على المقولة ; لأنّ لفظتي « زيد » و « الدار » تدلاّن على الجوهر ، وهو واضح ، ولفظة « في » تدلّ على حصول وجوده في الدار ، وهذا المعنى هو الوجود الرابط ، فلا تكون هذه مقولة ; لأنّ المقولة - حتىّ مقولة الإضافة التي هي أضعف المقولات - وجود رابطيّ مستقلّ بالمفهوميّة ، ومقولة « الأين » هي هيئة كون الشيء في المكان ، ومقولة « متى » هيئة حصول الشيء في الزمان ، ومقولة الوضع هي الهيئة الحاصلة من نسبة الأجزاء بعضها إلى بعض ، ومن نسبة
1 - بدائع الأفكار 1 : 49 - 51 . 2 - الحكمة المتعالية 1 : 79 و 81 ، شرح المنظومة ( قسم الحكمة ) : 61 - 62 . 3 - نفس المصدر .