وثانياً : أنّ ما ذكره أخيراً - من عدم إفادة الحروف معنىً غير إيجاد النسبة بين أجزاء الكلام - يُنافي ما ذكره في الأمر الثاني في بيان النسب ، فإنّه قال هناك : إنّه لا يختصّ ما يفيد النسبة بهيئات التراكيب ، فإنّ الحروف - ك « من » و « إلى » و « في » وغير ذلك من الحروف الجارّة - أيضاً تفيد النسبة ، فإنّ « من » في قولك : « سرت من البصرة إلى الكوفة » يفيد نسبة السير الصادر من السائر إلى المكان المسار عنه - وهو البصرة - و « إلى » تفيد النسبة إلى المكان الذي يسير إليه - وهو الكوفة - فلولا كلمتا « من » و « إلى » لما كانت هناك نسبة بين السير والبصرة والكوفة ، وكذا الكلام في كلمة « في » ; حيث إنّها تفيد النسبة بين الظرف والمظروف ، فيقال : « زيد في الدار » ، و « ضُرب زيد في الدار » ( 1 ) . فنقول : إذا لم تكن للحروف شأن إلاّ إيقاع الربط بين ألفاظ الجملة ، والحكاية عن الخارج شأن الجملة - كما هو صريح كلامه أخيراً - فكيف يقال : إنّ « من » تحكي عن نسبة السير الصادر من السائر إلى المكان المسار عنه و « إلى » تدلّ على النسبة إلى المكان الذي يسير إليه . . . وهكذا . وثالثاً : إن كان مُراده ( قدس سره ) بقوله أخيراً : إنّ مجموع المتحصّل من جزئي الكلام - بما لهما من النسبة - يحكي عن الخارج ، إنّ مجموع الجملة يحكي عن مجموع الخارج دلالة واحدة وضعيّة ; بحيث لا تدلّ أبعاض الجملة على أبعاض المعنى الخارجي . مثلاً : لا تدلّ لفظتا « البصرة » و « الكوفة » في قولك : « سرت من البصرة إلى