فقد ظهر لك ممّا ذكرنا : إمكان كون التبادر من حاقّ اللّفظ علامة للمعنى الحقيقي . الجهة الثانية : في بيان إحراز أنّ التبادر من حاقّ اللّفظ ، لا من القرينة فلابدّ وأن يُحرز كون انسباق المعنى من اللّفظ وتبادره منه من حاقّ اللّفظة ، لكن حيث إنّه قد يوجب كثرة الأُنس والاحتفاف بالقرينة العامّة تبادر المعنى من اللّفظ ، فيحتمل أن لا يكون التبادر من حاقّ اللّفظ ، فيشكل إحراز كون التبادر علامة لكون المعنى ظاهراً من حاقّ اللفّظ . فيقع الكلام : في أنّه هل يمكن إحراز كون التبادر من حاقّ اللّفظ بأصالة عدم القرينة ، كما عن صاحب القوانين ( قدس سره ) ( 1 ) ، أو بالظنّ بكون ذلك معناه الحقيقي ، كما عن صاحب الفصول ( 2 ) ، ولعلّ هذا يرجع إلى أصالة عدم القرينة ، أو باطّراد المعنى من اللّفظ ، كما ذهب إليه المحقّق العراقي ( قدس سره ) ؟ وجوه . ربّما يتشبّث لإحراز كون التبادر من حاقّ اللّفظ بأصالة عدم القرينة . ولكن ردّه المحقّق الخراساني ( قدس سره ) ، وقال : إنّ أصالة عدم القرينة لا تُجدي في إحراز كون الاستناد إلى حاقّ اللّفظ ، وقال في بيانه كلاماً لا غبار عليه ( 3 ) . تقريبه ببيان منّا : أنّ أصالة عدم القرينة من الأُصول المراديّة ، والعقلاء إنّما يعتنون بها في الشكّ في المراد ، بعد علم المتكلّم والمخاطب بالمعنى الحقيقي والمجازي ; فيما إذا احتمل اتّكال المتكلّم على قرينة خفيت على المخاطب ، وأمّا إذا علم المراد ، وشكّ في كون المراد حقيقيّاً أو مجازيّاً ، أو أُريد الاستفسار من حاقّ اللّفظ فلا بناء لهم على أصالة عدم القرينة ، ولا أقل من الشكّ في البناء .