أشرنا إليه سابقاً [1] من وجود النسبة الذهنيّة في الخبر والطلب في الإنشاء ، ومغائرتهما للعلم والإرادة والكراهة كما يقضي به الوجدان السليم . ومن أنكره فقد كابر وجدانه ، وإن كان نزاعهم في الدعوى الثانية فالحقّ مع المعتزلة إن أُريد بحقيقيّة الكلام في الأعمّ كونه كذلك عرفاً ولغةً ، فإنّه غلط صرف ضرورة أنّه ليس في عرف ولا لغة ما يشهد بذلك ، بل الأمارات من التبادر وعدمه وصحّة السلب وعدمها وتنصيص أهل اللغة بل اتّفاق أهل العربيّة كافّة قائمة بخلافه ، بل إطلاقه على المعنى القائم بالنفس المدلول عليه باللفظ غير معهود في العرف واللغة . وأمّا ما يتوهّم من إطلاقه عليه في كلام الشاعر : إنّ الكلام لفي الفؤاد وإنّما * جعل اللسان على الفؤاد دليلاً ففيه : منع صلوح ذلك للتعويل عليه ، حيث لم يثبت كون قائله ممّن يوثق بهم ويستشهد بكلامهم ، بل التأمّل في مساق هذا الشعر يعطي كون قائله من الأشاعرة فيفسد الاستشهاد به رأساً ، ولو سلّم فيتوجّه المنع إلى كونه على وجه الحقيقة ، لجواز قصد التجوّز بعلاقة المدلوليّة . وربّما استدلّوا أيضاً بما في قول القائل : " إنّ في نفسي كلاماً " بتقريب : أنّه أطلق على ما في النفس الّذي ليس إلاّ المدلول القائم بالذهن ، وهو أضعف من الأوّل لوضوح ورود إطلاقه هاهنا في المؤلّف من الصوت والحرف باعتبار وجوده الذهني فإنّ كلّ كلام لفظي وجوده الخارجي مسبوق بوجوده الذهني ، ضرورة أنّ اللافظ كما يتصوّر قبل التلفّظ معاني الألفاظ الصادرة منه ، كذلك يتصوّر نفس تلك الألفاظ ، فقوله : " في نفسي كلام " إنّما يراد به الألفاظ الحاضرة في ذهنه لا غير . هذا مع أنّه لا داعي إلى ارتكاب هذا التكلّف إلاّ التفصّي عن إشكال المعتزلة