ومن هنا اتّضح ضعف ما في كلام بعض الأفاضل [1] من ذكر وجوه أربع للقول بوضعها للأُمور الخارجيّة ، مع اختياره هذا القول في وجهه الرابع : أحدها : اعتبار الوجود الخارجي ، على أن يكون جزءاً للموضوع . وثانيها : اعتباره على أن يكون قيداً خارجاً عنه ، مع دخول التقييد فيه . وثالثها : اعتبار الوضع للمفاهيم باعتبار وجودها الخارجي ومن حيث تحقّقها كذلك ، على معنى كون الموضوع له نفس تلك المفاهيم بهذه الملاحظة ، أعمّ من أن تكون موجودة في الخارج فعلا أو لا . ورابعها : اعتباره لها من حيث كونها عنوانات لمصاديقها في الواقع ، سواء كان من شأن مصاديقها أن تكون خارجيّة أو ذهنيّة أو أعمّ منهما ، ولو كان تقديريّاً كما في الممتنعات ، ثمّ أطنب حتّى ساق الكلام إلى إجراء هذه الوجوه في القول بوضعها للمعاني الذهنيّة ، فإنّ هذا كلّه كما ترى خروج عن وضع المسألة حسبما دوّنه الأساطين ، منشؤه ما نبّهنا هنا عليه من الغفلة عن حقيقة مرادهم . وأضعف منه ما عرفته عن بعض أجلّة السادة [2] من دعوى إمكان رجوع القول بالماهيّة إلى ما اختاره من التفصيل ، فإنّ جميع المعاني بالقياس إلى ألفاظها الدالّة عليها - بالنظر إلى ما قرّرناه في معنى النزاع - على حدٍّ سواء ، لجريان احتمال كون وضعها لأعيان المعاني كلّية أو جزئيّة خارجيّة أو ذهنيّة بالوجه الثالث من التوجيهات المتقدّمة ، أو لصورها المرتسمة في الأذهان ، ولا يعقل فيه التفصيل على الوجه الّذي اختاره كما هو واضح . وأضعف من الجميع ، ما عن بعضهم من القول بأنّ من قال : بأنّ الألفاظ موضوعة للأُمور الذهنيّة إنّما أراد بالصور الذهنيّة الماهيّة من حيث هي ، فإنّه قد يطلق عليها اسم الصورة ، تعليلا بأنّه لو كان النزاع في الصورة الذهنيّة بمعنى المعلوم لم تنهض الدلائل الّتي ذكروها على إفادة المدّعى ، إذ لا يلزم من عدم
[1] هداية المسترشدين : 73 ( الطبعة الحجرية ) . [2] هو السيّد مهدي بحر العلوم ( رحمه الله ) .