وفي حديث الشفاعة فيأتون آدم ( عليه السلام ) فيقولون : أنت أبو الناس ، خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته ، وعلّمك أسماء كلّ شئ . وعن ابن عبّاس ومجاهد وقتادة ، أنّه علّمه اسم كلّ شئ حتّى القصعة والقصيعة . وربّما يحتمل إرادة ما يعمّ الألفاظ وغيرها من أنواع المدركات من المعقولات والمحسوسات ، تعليلا : بأنّ اللغة وحدها ليست علماً يصلح به تفضيل آدم ( عليه السلام ) على الملائكة كما يقتضيه سوق الآية ، والظاهر عدم كونه في محلّه ، فإنّ تعليم اللغة إذا أُريد به أعلام الوضع كما هو المقصود من الدليل ، يستلزم تعليم سائر أنواع المدركات ، نظراً إلى أنّ الوضع نسبة بين اللفظ والمعنى ، فالعلم بها على معنى الإذعان لتلك النسبة لا يتأتّى إلاّ بمعرفة المنتسبين ، فتعريف المعاني بأسرها لازم من تعريف ألفاظها الموضوعة ، ومعه لا حاجة إلى ارتكاب خلاف الظاهر في الأسماء الظاهرة في الألفاظ وحدها . وأمّا ما يقال - في دفع الاحتجاج - : من كون الأسماء مراداً به المسمّيات والحقائق ، بقرينة ما يختصّ بذوي العقول من الضمير ، في قوله تعالى : ( ثمّ عرضهم على الملائكة ) [1] فلو أنّ المراد به الألفاظ لوجب أن يقال : ثمّ عرضها . فيدفعه : أنّ إصلاح الضمير بإرجاعه إلى المسمّيات والحقائق لا يقضي بارتكاب التجوّز في الأسماء ، بعد ما بيّنّا لك من أنّ تعليم الألفاظ المتضمّن لإعلام الوضع يدلّ بالالتزام على تعريف المعاني . غاية الأمر ، كون المرجع حينئذ معنويّاً على ما قرّر في محلّه ولا ضير فيه ، كما لا تجوّز فيه بعد ملاحظة كون وضع ضمير الغائب لما هو معهود بين المتكلّم والسامع ، دلّ عليه الكلام بالمطابقة أو التضمّن أو الالتزام . مع أنّ الحمل على المسمّيات على إطلاقه لا يكفي في حصول هذا الغرض ،