يدفعه أوّلا : ما تقدّم إليه الإشارة . وثانياً : كونه خلاف الفرض على ما هو معلوم أيضاً ضرورة ، فإنّ المفروض عدم استناد معرفة الدلالات إلى نقل علماء العدد وغيرهم من الواقفين بطبائع الحروف ، هذا مضافاً إلى أنّ مدخليّة طبائع حروف الألفاظ بالناريّة والهوائيّة والمائيّة والأرضيّة في الدلالة على المعاني أمر بنفسه غير معقول ، ولو مع العلم بتلك الطبائع . لا يقال : ليس المراد بالتفريع المذكور أنّ طبائع الحروف بأنفسها مؤثّرة في الدلالة ، فإنّ ذلك إنّما يتّجه على ما كان يوهمه بعض العبارات من تفسير ذاتيّة الدلالة بكون الألفاظ لذواتها دالّة على معانيها ، وليس الأمر كما يوهمه كما تقدّم الإشارة إليه ، بل المراد استناد الدلالة إلى التناسب الحاصل فيما بين الألفاظ والمعاني في الطبيعة ، باعتبار كون كلّ منهما ذوات الطبائع وهذا أمر معقول . لأنّ ذلك ممّا يوهنه ما يبطل به الوجه الثاني ، وهو أنّ كون وضع الألفاظ حاصلا تبعاً للمناسبة الحاصلة بينها وبين المعاني في الطبائع إنّما يستقيم بعد إحراز مقدّمات أربع . أحدها : كون الألفاظ أو الحروف الّتي يتألّف منها الألفاظ ذوات طبائع ، على معنى كون طبائعها من نوع الطبائع الثابتة في المعاني في الجملة ، كما إذا كانت من مقولة العناصر أو الأجسام المركّبة منها ، وهو موضع منع ، ولا ينافيه ما عليه علماء العدد ، لمكان البينونة بين الطبائع الّتي أثبتوها للحروف والطبائع الثابتة للعناصر ، ولذا ترى أنّ الآثار واللوازم المترتّبة على كلّ واحدة منهما غير الآثار واللوازم التابعة للأُخرى . ومن الظاهر أنّ اختلاف اللوازم ممّا يكشف عن اختلاف الملزومات ، وتنويع الحروف عندهم إلى الأنواع الأربع المتقدّمة مبنيّ على ضرب من الاستعارة والتشبيه ، لا أنّ معنى ناريّة الحروف أو مائيّتها أنّها تؤثّر أثر النار أو الماء في الحقيقة ، فإنّ ذلك باطل ببديهة من الحسّ والوجدان .