أحدهما : ما صار إليه غير واحدً من أساطين الأُصول ، من أنّ المجاز أيضاً لا يلازم الحقيقة ، وعزى إلى المعظم تارةً والأكثر أُخرى والمحقّقين ثالثة . وثانيهما : أنّه يستلزمها ، ذهب إليه - على ما في النهاية - جماعة منهم فخر الدين الرازي . حجّة القول الأوّل : انّ المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة بينهما ، فهو بالضرورة مسبوق بالوضع ، لكنّ الوضع لا يجب معه الاستعمال ، فأمكن انفكاك المجاز عن الحقيقة من حيث إمكان انفكاك الاستعمال عن الوضع . نعم يستحيل انفكاكه عن الوضع الأصلي ، لكونه تابعاً فيستحيل وجوده بدون وجود متبوعه . حجّة القول الآخر أمران : أحدهما : أنّ المجاز هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه الأصلي ، وهذا تصريح بوضعه في الأصل لمعنى آخر ، فاللفظ متى استُعمل في ذلك الموضوع كان حقيقة . وردّ : بأنّ الإلزام على الوضع الأصلي إلزام بما لا كلام فيه ، كما لا كلام في انعقاد الشرطيّة في الخارج بعد تحقّق شرطها وهو الاستعمال ، وإنّما الكلام في وجوب هذا الشرط من الوضع ، وهو الممنوع عندنا . ولا ريب أنّ فرض التحقّق لا يصيّر المفروض متحقّقاً ، ومع عدم التحقّق تحقّق المجاز من دون حقيقة ، والمفروض أنّ كون الموضوع له صالحاً لأن يقع عليه الاستعمال لا يوجب وقوعه مستعملا فيه بحسب الحقيقة ، والحقيقة تستلزم الوضع والاستعمال الفعليّين ، وإذا انتفت الفعليّة عن أحدهما انتفت الحقيقة ألبتّة . وثانيهما : أنّه لو لم يستلزم الحقيقة لعرى الوضع عن الفائدة ، إذ غايته الباعثة عليه إنّما هو الاستعمال فيما وضع له ، فإذا انتفى الاستعمال انتفت الفائدة .